مبتدأ خبره قوله تعالى «تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ» ٢ لجميع العالمين المدركين «أَمْ» استفهام إنكار، ويفيد الانتقال من كونه منزلا من الله بلا شك ولا شبهة إلى ما يتفوه فيه الكفرة مما حكى الله عنهم بقوله عز قوله «يَقُولُونَ افْتَراهُ» محمد من تلقاء نفسه واختلقه كلا «بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ» يا سيد الرسل لا يقدر أحد أن يبتدع مثله وقد أنزلنا عليك «لِتُنْذِرَ» به «قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ» هم قومك إذ لم ينذروا من قبل أحد بعد إسماعيل عليه السلام الذي اندرست شريعته وتفادم عهده ولم يترك لهم كتابا يرجعون إليه من بعده، راجع الآية ٤٤ من سورة سبا المارة وأول سورة يس في ج ١، «لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ» ٣ به.
[مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا.]
قال ابن عباس هذا في الفترة التي بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، ولا حجة في هذه الآية على عدم عموم رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم أو أنها قاصرة على العرب لعدم وجود حجة القصر، والآيات في التعميم كثيرة، إلا أنه لما كانت الأمم غير العرب تتهافت عليها الرسل واحدا بعد واحد- كما مر في الآية ٤٤ من سورة المؤمنين المارة- دون العرب، قال تعالى (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ) الآية، ولأنهم أمّيّون ولا كتاب لديهم يقتدون بما فيه من أمور دينهم، بخلاف اليهود والنصارى فإنهما بعد انقطاع الرسل عنهم ملزمون باتباع شرائع من قبلهم ورسلهم الذين كانوا يدعونهم بمقتضاها، إذ أن دعوتهم منحصرة بهم، وقد جاء في الإنجيل على لسان عيسى عليه السلام (إني حقا أرسلت إلى بني إسرائيل) وفي نسخة (إلى خراف إسرائيل) فثبت من هذا أن العرب لم تدعهم إلى الله رسل بني إسرائيل، ولما كان كل نبي تنقطع أحكام نبوته بعد موته إلا محمدا صلّى الله عليه وسلم لأنه خاتم النبيين والمرسلين ورسالته عامة إلى الخلق كافة، وكانت ذرية كل نبي ملزمة باتباع شريعته، كان على قريش أن تلتزم شريعة إسماعيل عليه السلام كما كان أوائلهم متمسكين بها، إلا أنه فشت فيهم عبادة الأوثان التي أحدثها عمرو الخزاعي وعكفوا عليها إلا ما ندر منهم كزيد بن عمرو بن نوفل العدوي والد سعيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد عاصر النبي صلّى الله عليه وسلم، وقالوا إنه آمن به