بك يا سيد الرسل وجحودهم كتابك «فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا»(٤٦) إيمانا لا يعبا به مثل اعترافهم بأن الله خلقهم ورزقهم وإقرارهم بالبعث ونبوة موسى، ولكن هذا كله ليس بشيء فإذا لم يؤمنوا بجميع الأنبياء والكتب كافة لا يقبل منهم.
واعلم أن هذا النطق باللفظ الذي له معنيان وإرادة الأسوأ من جملة طبايعهم التي جبلوا عليها.
[مطلب طبايع اليهود أخزاهم الله واسلام عبد الله بن سلام وأصحابه وغفران ما دون الشرك وعلقة اليهود:]
ولهم طبايع مذمومة كثيرة، منها التناقض بالأقوال والأفعال المشار إليه بالآيتين ٨٤ و ٨٥ والعظمة والكبرياء المنوه بهما في الآية ٨٧ والحقد والحسد المذكورين في الآيتين ٧٨ و ٩٠، والعناد واللجاج في الآيتين ٩٨ و ٩٩، والكذب على النفس والإفراط في حب الحياة في الآيتين ٩٤ و ٩٦ وخصومتهم بالباطل لكل من يدعي الحق والمكابرة في الحق في الآيتين ٩٨ و ٩٩ أيضا، ونقض العهد ونبذ الدين في الآيتين ١٠٠ و ١٠١، والميل إلى الطرق غير المشروعة في سبيل غرضهم وميلهم إلى السحر في الآية ١٠٢ من سورة البقرة، ولهم طبايع أخرى كثيرة ذميمة قبحهم الله وأخزاهم، هذا. ولما قال صلّى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن حوريا وكعب بن الأشرف يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فو الله إنكم تعلمون أن الذي جئتكم به حق وصدق، قالوا: ما نعرف ذلك وأصروا على جحودهم أنزل الله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ» لأن القرآن مصدق للتوراة «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً» نمحو تخطيط صورها من عين وأنف وحاجب وفم «فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها» أي على هيئة قفاها مطموسة لا شيء فيها أو نديرها فنجعل الوجه إلى خلف والقفا إلى قدام «أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ» أي نمسخهم كما مسخناهم قردة وخنازير، ويرمي هذا الالتفات من الخطاب إلى الغيبة إلى التهديد العظيم وإيقاع الوعيد بهم «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا»(٤٧) البتة لا يحول دونه حائل ولا يرده راد. ولما كان حضرة الرسول يعلن ما ينزل إليه من القرآن حال نزوله سمع في هذه الآية عبد الله بن