ورفض ما سوانا «إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ» المتضمنة الأمر لهم بالسجود لنا والخضوع لعظمتنا والخشوع لقدرتنا «خَرُّوا» سقطوا على وجوههم إلى الأرض «سُجَّداً» لإلهيّتنا وحدها «وَبُكِيًّا» ٥٨ خوفا منا وطمعا برحمتنا. وقيل في المعنى
ونبكي إن نأوا شوقا إليهم ... ونبكي إن دنوا خوف الفراق
[مطلب في السجود وما يقول فيه وكلمة خلف:]
وهذه السجدة من عظائم السجود أيضا، أخرج ابن ابي الدنيا في (البكاء) وابن جرير وابن ابي حاتم والبيهقي في (الشعب) عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ سورة مريم فسجد ثم قال: هذا السجود فأين البكاء؟ وأخرج ابن ماجه واسحق بن راهويه والبزار في مسنديهما من حديث سعد بن ابي وقاص مرفوعا: اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا. وقال العلماء: ينبغي للساجد أن يدعو في كل سجدة بما يناسبها، فهنا يقول اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهتدين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك، وفي آية الإسراء الآتية يقول اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك، وفي آية السجدة في ج ٢ اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك ورحمتك، وأعوذ بك من المتكبرين عن أمرك. وهكذا، راجع بحث السجود في آخر الأعراف المارة، وما ترشدك إليه، قال تعالى «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ» جاء بعدهم عقب سيء، وكلمة (خلف) لا توجد في القرآن إلا هنا وفي الآية ١٦٨ من سورة الأعراف المارة، وتقرأ بفتح اللام في غير هذا الموضع، ويكون معناها أتوا بأولاد سوء، وعلى القراءة بإسكانها كما هنا أتوا قوم سوء. قال النضر بن شميل الخلف بالتحريك والإسكان القرن السوء، أما الصالح فبالتحريك فقط. وقال ابن جرير بالمدح بفتح اللام وبالذّم بتسكينها على الأكثر، لذلك فالقراءة هنا بالتسكين لأن معناه الرّديء وعليه المثل (سكت ألفا ونطق خلفا) وبالفتح إذا قام مقام أهله، ومن هذا القبيل النصب بالفتح التعب، وبالسكون الشر، والشق بالفتح الصدع في عود أو زجاجة، وبالكسر نصف الشيء، والسّداد بالفتح الإصابة، وبالكسر كل شيء سددت به من قارورة وغيرها. ولهذا البحث