[مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:]
قال ابن عباس: إن قريشا اجتمعوا وقالوا إن محمدا نشأ فينا بالأمانة والصدق وما اتهمناه بكذب قط، وقد ادعى ما ادعى فابعثوا نفرا منكم إلى يهود المدينة واسألوهم عنه، فإنهم أهل كتاب، فبعثوا جماعة إليهم، فقالت اليهود سلوه عن ثلاثة أشياء فإن أجاب عن كلها أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبي، وإن أجاب عن اثنتين ولم يجب عن واحدة فهو نبي، فاسألوه عن فتية فقدوا في الزمن الأول ما كان شأنهم فإنه كان لهم حديث عجيب، وعن رجل بلغ مشرق الشمس ومغربها ما خبره، وعن الروح (راجع الآية ٨٥ من الإسراء في ج ١) فرجعوا وأخبروا قومهم بذلك، ثم انهم سألوا النبي صلّى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ» الغار الواسع يكون في الجبل «وَالرَّقِيمِ» اللوح المكتوب عليه أسماؤهم وقصتهم «كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً» ٩ أتظنّ يا محمد أن شأنهم أعجب من آياتنا التي منها خلق السماء والأرض وما فيهما وعليهما كلا، بل في خلقنا ما هو أعجب وفي صنعنا ما هو أبدع من ذلك، وإذ سألوك عنهم يا حبيبي فاذكر لهم ما نوحيه إليك مما هو أوضح مما عند أهل الكتاب وغيرهم وأصح «إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ» جمع فتى وهو الطريّ من الشباب والجمع للقلة «إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً» هدى ونصرا وأمنا من أعدائنا ورزقا ومغفرة «وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا» الذي نحن عليه من مفارقة الكفرة والركون إلى دينك القويم «رَشَداً» ١٠ واهتداء للطريق الموصل إليك.
قال تعالى «فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً» ١١ أي أجبنا دعاءهم وهديناهم الدخول في الغار الذي صاروا إليه وألقينا في قلوبهم أن يناموا فيه قناموا حالا مع أن الخائف لا ينام وجعلنا عليهم حجابا ثقيلا بحيث لا تنبههم الأصوات إلى الوقت المقدر ليقظتهم منه كما سيأتي «ثُمَّ بَعَثْناهُمْ» أيقظناهم من نومهم «لِنَعْلَمَ» لا شك أنه تعالى عالم وإنما أراد إعلام الناس بذلك ليعرفوا «أَيُّ الْحِزْبَيْنِ» المختلفين في مدة نومهم «أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً» ١٢ الأمد المدة التي لها حد والفرق بينه وبين الزمان أن الأسد يقال باعتبار الغاية بخلاف الزمن فإنه عام في المبدأ