وتأوهه عليهم بقوله «إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ» الجليل الشأن أي القرآن المعبر عنه بصدر السورة بالكتاب ووصفه بالحديث بالنسبة لما نتلوه نحن لأن تلاوتنا له حادثة وهو قديم منزه عن الحدوث، راجع بحث خلق القرآن بالمقدمة «أَسَفاً» ٦ مفعول لأجله أي أنك قاتل نفسك لأجل التأسف عليهم لعدم إيمانهم، فلماذا يكون منك هذا؟ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس: أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأبا البحتري، في نفر من قريش اجتمعوا (على خلاف رسول الله ومناوأته) وكان صلّى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلافهم إياه وإنكارهم ما جاء به من الهدى فأهمه ذلك وأغمه، فأنزل الله هذه الآية يسليه بها. وقال بعض المفسّرين إن معنى باخع قاتل والقتل والإهلاك شيء واحد، قال ابن الأزرق:
لعلك يوما إن فقدت مزارها ... على بعده يوما لنفسك باخع
أي مهلك. وقال الفرزدق:
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه ... لشيء نحّته عن يديه المقادر
أي القاتل. قال تعالى «إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ» من الجبال والأودية والبحار والأنهار والنبات والأشجار والمعادن والحيوان «زِينَةً لَها» كما زينا السماء الدنيا بالكواكب المختلفة ليغتر أهلها بها وتأخذ قلوبهم زخارفها وذلك «لِنَبْلُوَهُمْ» نختبرهم ونمتحنهم «أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» ٧ فيها وأزهد لما يعطى منها من غيره المنهمك في حبها لنظهر للناس ذلك وليعلموا من يميل إليها بكليته ممن يرغب عنها، وإلا فالله عالم بذلك قبل ذلك «وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها» من الزينة بعد كمالها وتطاول أهلها «صَعِيداً» أرضا ملساء «جُرُزاً» ٨ يابسة بعد أن كانت خضراء زاهية ونفعل بأهلها كذلك بأن نسلبهم ما جمعوه منها حتى يأتوننا صفر اليدين خاسرين الدنيا والآخرة، راجع الآية ٩٤ من سورة الأنعام المارة، وقد أكدت الجملة بأن واللام إيذانا بتحقيق وقوعه وهو واقع لا محالة في الوقت المقدر لخراب الدنيا، راجع الآية ٢٥ من سورة يونس المارة.