للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن أوصى بالثلث فلم يترك. هذا وانظر ما قالته عائشة رضي الله عنها آنفا.

اعلم أن الحكم الشرعي في الوصايا جوازها عند كثرة المال المتروك وقلة العيال، وتستحب للفقراء وطرق الخير، وتكره إذا خصّ بها الأغنياء، وتحرم لمن يغلب ظنه أنه يصرفها في المعاصي لما فيها من إعانة العاصي على المعصية. فالصدقة على الأغنياء الأتقياء أي الوصية لهم أفضل، والأفضل والأكثر ثوابا على الفقراء الأتقياء لما ورد: اختاروا لصدقاتكم كما تختارون لنطفكم. أي أن الرجل كما يختار زوجته من أهل الدين، فكذلك ينبغي للمتصدق أن يخص بصدقته أهل الدين لينفقها في طاعة الله، ألا فليتق الله المؤمنون الموصوفون، وليعلموا بما يعود عليهم بالخير.

أخرج أبو داود والترمذي عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: إن الرجل والمرأة (أي جنسهما) ليعملا بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران (أي يوصلا الضرر إلى آخر) في الوصية فتجب لهما النار، ثم قرأ أبو هريرة (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) الآية ١٢ من النساء الآتية، وذلك بأن لا يخص الوصية أو ينقص بعضها أو يوصي لغير أهلها، أو يحيف الوصي أو الورثة فيها كما مرّ تفصيله.

[مطلب في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:]

قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٨٣» الله فتعرضون عن شهواتكم الخسيسة إلى طاعة ربكم النفسية، لأن الصوم يعقم الشهوة، وقد فرض الله تعالى على هذه الأمة المحمدية الصوم، وأعلنه رسولها محمد صلّى الله عليه وسلم على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة، قبل غزوة بدر الموافقة في ١٧ رمضان السنة الثانية من الهجرة، بشهر وبضعة أيام، أي في أوائل شعبان، وقد أخبر الله في هذه الآية أن الصوم ليس من خصائص هذه الأمة بل هو فرض قديم، تعبد الله تعالى به الأمم السابقة، قالوا إن النصارى كانوا يصومون رمضان فشق عليهم في الحر فأجمعت علماؤهم على جعله في فصل معتدل من السنة بزيادة عشرة أيام كفارة

<<  <  ج: ص:  >  >>