(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الآية ٢٥٦ من البقرة في ج ٣، والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة في فلاة، وفي هذه الآية ردّ على عبدة الأوثان وغيرهم وكل من يعبد غير الله وتنبيه إلى عظم عرش الله بالنسبة لجميع مخلوقاته، وإلى هنا انتهى قول الهدهد الذي قصه الله على رسوله «قالَ» سليمان عليه السّلام بعد أن سمع من الهدهد ما لم يسمعه، وقد تشوق إلى معرفة ذلك والوقوف عليه «سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ» فيما ذكرته «أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ» ٢٧ فيه لأنه قال وأوتيت من كل شيء، وهو عليه السّلام، لم يؤت كل شيء لهذا اشتغل فكره وتاقت نفسه لرؤية ذلك والوقوف عليه، فكتب كتابا لها وأعطاه إلى الهدهد، وقال له «اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ» جمع الضمير باعتبار أنه لها ولقومها، وهو كالجواب لقول الهدهد (وَجَدْتُها وَقَوْمَها) إلخ، «فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ» ٢٨ لنا من الجواب فأخبرني به قبل أن يصل إليّ لا تروي في الأمر، فأخذه وطار به، فدخل عليها والوزراء حولها، فرفرف بجناحه فنظرت إليه فرمى الكتاب إليها، ووقف قريبا ليسمع ما يقولون، ففضّته، فلما رأت الخاتم ارتعدت، وجمعت ملأها، فقرأته عليهم علنا، وقالوا كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، كل منهم على عشرة آلاف، وعبارة الكتاب كما قص الله بلا زيادة ولا نقص، وهكذا كان الأنبياء يكتبون جملّا لا يطيلون فيها «قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ» ٢٩ مختوم، روي عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: كرامة الكتاب ختمه أي شريف لشرف صاحبه، لأنها عرفت أنه أعظم منها من فحواه، وهو «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ» مكتوب فيه «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ٣٠
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ» فتمتنعوا من الإجابة للإيمان تكبرا وتعاظما «وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ» ٣١ منقادين لي طائعين لله فاستعظمت ما أمرت به في الكتاب، ونظرت إلى ملئها «قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي» هذا الذي نزل بي وأشيروا علي فيه لأني «ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً» يتعلق بالملك ولا أقضيه، أو أفعله وأمضيه بغيابكم، بل لا أعمل شيئا من ذلك «حَتَّى تَشْهَدُونِ» ٣٢ بكسر النون أصله تشهدونني، فحذفت النون