وان صيغة الفعل تدل على التجدد ساعة فساعة بخلاف صيغة اسم الفاعل لدلالتها على الحال فقط. ثم قال لهم «أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ» المراد به هنا وفي الآية المنقدمة ما أرسلا به وأنزل عليهما من الله كما يقال للقرآن ذكر وقد يفسّر بالموعظة «مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ» بأس الله وعذابه قصد نجاتكم «وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ» ربكم «خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ» في أرضه ومكنكم إياها بعد إهلاكهم إذا لم يبق من قومه الا من ركب السفينة وهم ثمانون نسمة. وقد سميت الأرض التي نزلوا بها قرية الثمانين وهي معروفة حتى الآن بلفظ كردي «هشتاند» في الجزيرة قرب جبل الجودي الذي رست عليه «وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً» طولا وقوة وكثرة عليهم، قيل كان طول أحدهم ما بين اثنى عشر ذراعا وستين ذراعا «فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ» نعمه المترادفة عليكم «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ٦٩» تفوزون برضائه لأن ذكر النعم يفضي إلى شكرها المؤدي إلى النجاة في الآخرة والزيادة في الدنيا، راجع الآية ٧ من سورة ابراهيم في ج ٢ «قالُوا أَجِئْتَنا» كان له صلّى الله عليه وسلم معبدا يتعبد به قبل الرسالة فلما شرفه الله بها جاءهم ليأمرهم وينهاهم حسب تعاليم ربه التي تلقاها لذلك قالوا له أجئتنا من معبدك «لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ» كما تزعم أن ليس رب غيره «وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا» من الآلهة عن طريق الاستفهام الإنكاري لاستبعادهم اختصاص العبادة بإله واحد وترك الأوثان والشرك الذي نشأوا عليه من قبل بعثته. ومثله من هذه بالجهة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم إنه كان اتخذ غار حراء معبدا واعتزل قومه الذين كانوا يعكفون على عبادة الأصنام، حتى جاءته النبوة فيه فأنذر بها قومه وقالوا له مثل ما قالوا له آنفا، وقالوا له أيضا «فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٧٠» في ادعائك
الرسالة من الله إلينا وأن العذاب سينزل علينا ان لم نصدقك ونؤمن بربك
«قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ» رجز أي عذاب عظيم أبدلت الزاي سينا فيه وأصل الرجس الاضطراب ثم شاع في معنى العذاب لاضطراب من يحل، به وقال بن زيد، الرجس بمعنى العذاب في كل القرآن مأخوذ من الارتجاس وهو الارتجاز «وَغَضَبٌ» سخط