وليها كما مر في الآية آنفا بعد ثبوت زناها الدال عليه قوله (بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) فهذا الوصف دليل على ثبوت ما عزي إليها بالشهود الأربعة المبينة في تلك الآية أيضا فجائز اتباعا لأمر الله، وكذلك زواجهن لمن أردته منهم أو من غيرهم على ما جاء في الآية المارة جائز أيضا، وإنما أمرهم بحسن معاشرتهن إذ قد يكن كارهات له، أو هو كارها لهن، ولهذا أمّل الله الصابر منهما على الكراهة بالخير، وهو إما أن يكون في الدنيا وإما في الآخرة كما قدمناه. قال تعالى «وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ» وأنفت أنفسكم أيها الرجال البقاء مع زوجاتكم وأردتم طلاقهن وقد صرفتم عليهن مبلغا عظيما «وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً» من ذهب أو فضة مهرا «فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً» أبدا لأن الكراهة من قبلكم وقد قضيتم وطركم منهن فلا يحل لكم استعادة شيء منه أبدا «أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً» أي أتحبون أن تأخذونه أخذا باطلا في الدنيا «وَإِثْماً مُبِيناً»(٢٠) ظاهرا تعذبون عليه في الآخرة لأنكم أخذتموه بغير حق فهو حرام عليكم قطعا
«وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ» جملة عجبية أي بأي وجه تفعلون هذا ولماذا وقد أديتموه لها مهرا عن طيب نفس حينما كنتم راغبين زواجها، فلا يليق بكم أيها العقلاء استرداد ما أعطيتموهن بعد أن قضيتم وطركم منهن، لأن الصداق من نوع الهبة والعائد بهبته كالكلب العائد قيئه وهل يجوز لكم أن تقدموا على ذلك «وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ» وهذه الجملة كناية عن الاتصال والجماع «وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً»(٢١) عهدا وثيقا وهو قول العاقد زوجتكها على ما قال الله تعالى (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) والعقد هو الكلمة التي يستحل بها زواج النساء والدخول بهن بدلالة قوله صلّى الله عليه وسلم اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله. وقوله صلّى الله عليه وسلم استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان في أيديكم، الحديث. جمع عانية أي أسيرة، ولهذا جاء في الخبر عنه صلّى الله عليه وسلم النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع عتيقته. أي آنيته، راجع الآية ٤٩ من سورة الأحزاب المارة.
وقال صلّى الله عليه وسلم زوج بنتك إلى كريم فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها ولذلك وصى رسول الله فيهن وصايا مترادفة، وبما أن الله تعالى أخذ العهد للرجال على النساء