قال كعب بن مالك فانبعث بعض المشركين من قومنا يحلفون بالله ما كان شيء من هذا وما علمناه أبدا، فصدقوا لأنهم لم يعلموا بالمبايعة، ولو علموا لما اعتذروا لأنهم لا يخافون من قلة عدد أو وهن عدد، قال وكان بعضنا ينظر إلى بعض، فقاموا ورجعوا ووقانا الله من الكلام، ولولا أن سخّر الله بعض مشركيهم وحلفوا على نفي ما سمعوا وهم صادقون لصدقوا ما سمعوا به ولوقع ما وقع.
وهذا أول خير رأوه من بيعة حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم، ثم انصرف الأنصار إلى المدينة وأظهروا فيها الإسلام. وبلغ ذلك قريشا فآذوا أصحاب رسول الله، فقال لهم حضرة الرسول إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون فيها وأمرهم بالهجرة إلى المدينة، وأول من هاجر أبو أسامة بن عبد الأسد المخزومي، ثم عامر ابن ربيعة، ثم عبد الله بن جحش، ثم تتابعوا حتى هاجر رسول الله على الصورة المبينة في الآية ٤٤ من سورة العنكبوت في ج ٢، ودخل المدينة يوم الاثنين في ١٢ ربيع الأول سنة ١٣ من البعثة، وجمع الله شملهم، وأزال الضغائن من بينهم بسببه صلّى الله عليه وسلم وذلك قوله (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) بعد حروب دامت مئة وعشرين سنة بين الأوس والخزرج.
[مطلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع والفرقة وكون هذه الأمة خير الأهم ومعنى كان والتذكير والتأنيث:]
قال تعالى «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ» أيها المؤمنون «أُمَّةٌ» جماعة «يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ» الطائفة التي هذه صفتها «هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(١٠٤) الفائزون بنعيم الدنيا والآخرة «وَلا تَكُونُوا» أيها المؤمنون «كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا» في أمر دينهم كأهل الكتابين والصابئين «مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ» على الوحدة في الدين ولم الشعث والألفة بأن يكونوا يدا واحدة فاختلفوا «وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ١٠٥» في الآخرة لا يتصورونه عدا ما ينالهم في الدنيا من الذل والهوان والصغار والعار والخزي والخسار وما يصيبهم من قتل وأسر وسبي وجلاء.
روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من رأى