الآية نزلت فيه فقد ذهل، وإنما هذه الآية حكاية حال عنه وعن أمثاله وهي عامة في كلّ من هذا شأنه لورودها مورد العام، فيدخل فيها المذكور وغيره ممن هو على شاكلته «وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ»(٤٩) لحكمه لم تكرر هذه الكلمة بالقرآن أي راضين بقضائه «أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» شك أو ريبة أو شبهة في حكمه «أَمِ ارْتابُوا» بنبوّته فلم يصدقوه وجحدوا كتابه «أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ» يجوز عمدا «اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ» بالحكم فيظلمهم وهو ينهى عن الظّلم ورسوله، «بَلْ» لا شيء من ذلك وإنما «أُولئِكَ» المتوقعون شيئا منه مخالفا «هُمُ الظَّالِمُونَ»(٥٠) أنفسهم باعراضهم وتوهمهم
«إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا» قوله وقبلناه «وَأَطَعْنا» أمره وامتثلناه «وَأُولئِكَ» الّذين هذه صفتهم فيما يحكم الله ورسوله لهم وعليهم «هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(٥١) في الدنيا والآخرة «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ»(٥٢) الناجحون عند الله في الدّارين. ثم ذكر حالة ثانية من أحوالهم فقال «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ»
يقال لمن بلغ في الحلف غايته وشدة تأكيده جهد أي بلغ أقصى ما يحلف به «لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ»
بالخروج من ديارهم وأموالهم «لَيَخْرُجُنَّ»
امتثالا لأمرك يا رسول الله «قُلْ»
لهم «لا تُقْسِمُوا»
كذبا فإن طاعتكم هذه المزيفة «طاعَةٌ»
قولية «مَعْرُوفَةٌ»
بلا فعل، لأنها ناشئة عن غير اعتقاد واخلاص، بل عن رباء وخداع، وقد أشار الله إليهم في الآية ١٦٦ من آل عمران بأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، وفي الآية ١١ من سورة الفتح الآتية (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) وذلك لأن إيمانهم غير صحيح، وفي الآية ٤٧ من المائدة الآتية أيضا أخبر الله عنهم بقوله (قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)«إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»
٥٣ وإنه يخبر رسوله به ليفضحكم «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» طاعة صادقة مخلصة بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم «فَإِنْ تَوَلَّوْا» عن تقديم هذه الطّاعة الحقيقة «فَإِنَّما» الله الذي أرسله إليكم يقول وهو أصدق القائلين «عَلَيْهِ»