وضعف دينهم وعدم مبالاتهم في الزور والعياذ بالله، ولذلك قال الفقهاء: من شهد قبل أن يستشهد لا تقبل شهادته، أي لما فيها من التهمة بسبب تسابقه عليها، أما إذا كان لديه شهادة لصاحب حق لا يعرفه كقاصر أو غائب فعليه أن يخبر صاحب الحق بذلك ليشهد له عند الاقتضاء، وهذا لا يدخل في الحديثين المارين، بل هو مأجور لما فيه من إظهار الحق، راجع الآية ٢٨٢ من سورة البقرة المارة. ورويا عن أبي سعيد الخدري، قال: قال صلّى الله عليه وسلم لا تسبّوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
هذا ولما عمد اليهود إلى ضر المؤمنين وصاروا يتداولون في إساءتهم ووقع في قلوب المؤمنين شيء من الرهب لما يعلمون من كيدهم ومكرهم أنزل الله تطمينا لهم قوله جل وعلا «لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً» هو ما يقع من بذاءة لسانهم من الشتم والتهديد والطعن في الدين «وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ» لا يقدرون عليكم، لأن الله ألقى الرعب في قلوبهم منكم، ولذلك فإنهم إذا أقدموا على قتالكم «يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ» يهربون أمامكم خوفا منكم ويخذلون بنصرة الله لكم «ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ»(١١١) عليكم أبدا، وذلك لأنهم «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ» من الله فصاروا يتوقعون القتل والسبي والجلاء، ووقع عليهم الصغار والهوان بضرب الجزية عليهم «أَيْنَما ثُقِفُوا» وجدوا وقبضوا ولم يأمنوا منكم «إِلَّا بِحَبْلٍ» عهد وذمة وأمان «مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ» أمان وذمة «مِنَ النَّاسِ» أي المؤمنين «وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ» استوجبوه بسوء فعلهم ورجعوا به وأملوا أنفسهم فيه «وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ» خوف الفقر مع اليسار وخوف الفزع مع الأمن «ذلِكَ» الغضب والذلة والمسكنة «بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ» الكفر والقتل «بِما عَصَوْا» الله وخالفوا أمره وتعاليم رسله وجحدوا كتابه «وَكانُوا يَعْتَدُونَ»(١١٢) على أنفسهم وعلى غيرهم ويتجاوزون حدود ربهم. واعلم أنه لا يوجد في القرآن غير ست آيات مبدوءة بحرف الضاد هذه والآية ١٠ من سورة التحريم الآتية والآية ٧٥ من سورة النحل و ٢٧ من سورة الروم و ٢٩ من سورة الزمر و ٢٧ من سورة النازعات