للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ»

٥٩ في جرأته هذه المؤدية لإهلاكه «قالُوا» الذين سمعوا صياحهم وسمعوا قبل قسم إبراهيم على كيدها «سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ» بسوء ويعيبهم ويسخر بهم «يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ» ٦٠

فأوصلوا الخبر إلى النمروذ وملائه فأجمع رأيهم على جلبه واستنطاقه أولا ولهذا «قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ» ٦١ على اعترافه بذلك لئلا يقول الناس إنه أخذ بغير ذنب وقتل بغير بينة، فأتوا به ثم له «قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ» ٦٢ ولماذا «قالَ» ما فعلت شيئا وقصد غير تكسيرها وما عملت شيئا يسخط الله فيها «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا» ففهموا من كلامه هذا أن الذي كسرها هو الصنم الكبير المشار إليه من قبل إبراهيم، وقد وقف بعضهم على (بل فعله) ، ثم ابتدأ فقرأ (كبيرهم هذا) إلخ يريد بذلك عود الضمير على إبراهيم تخلصا من الكذب، ووقف بعضهم على هذا، وأراد أي هذا قولي فاسألوهم إلخ لأجل التخلص من الكذب أيضا، والحال أن الكذب للمصلحة جائز من النبي وغيره إذا كان هناك محذور كما هنا، فلا حاجة للوقفين اللذين لم يردهما إبراهيم نفسه، أي إنما كسرها كبيرهم بسبب غضبه عليكم، لأنكم تعبدون الصغار معه وتساوونها به وهو أكبر منها، فكرهن ليستقل بعبادتكم. قالوا ما بينتك على هذا؟

قال لا بينة لي سوى وجود آلة التكسير لديه كما شاهدتموها، فإن لم تصدقوني «فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ» ٦٣ أراد بهذا إقامة الحجة عليهم لأنها إذا قدرت على النطق قدرت على الفعل، وإلا فيظهر لهم عجزها. قال تعالى «فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ» لما سمعوا قوله وتفكروا به فلم يكن لهم بد إلا الاعتراف بعجزها «فَقالُوا» أولا لبعضهم «إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ» ٦٤ بعبادتكم ما لا يتكلم، لأن من لم يدفع عن رأسه الفأس كيف يدفع عن عابديه البأس، وقد أجرى الله الحق على لسانهم أثناء المذاكرة فيما بينهم على غياب من إبراهيم بدليل ما حكى تعالى عنهم (فرجعوا إلى أنفسهم) وقد لحقهم الشقاء المبعد عن الحق المهوي بهم إلى الباطل المشار إليه بقوله تعالى «ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ» أي ردّوا إلى تعصبهم وآرائهم الفاسدة عن الفكرة المستقيمة الصالحة في تظليمهم

<<  <  ج: ص:  >  >>