فاتركوا هذه المكابرة والعناد وآمنوا بالله ورسوله. انتهت الآيتان المدنيتان.
قال تعالى «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها» بأعماله الحسنة فيها ونيته الصادقة، ورضي باستبدال الباقي بالفاني والدائم بالمنقطع «نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها» كاملة زائدة «وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ ١٥» شيئا منها ولا ينقصون نقيرا والضميران عائدان للحياة الدنيا، الثاني مؤكد للأول، لأن البخس لا يكون إلا في الدنيا من أولى الأمر، ونجس الآخرة ناشىء عن التقصير في الأعمال الصالحة.
نزلت هذه الآية في كل من عمل عملا يبتغي به غير الله، والبخس نقص الحق على سبيل الظلم من أيّ كان، وجاء هنا على ظاهر الحال محافظة على صور الأعمال ومبالغة في نفي النقص، فكأنه نقص لحقوقهم التي يزعمونها، وفعل يبخسون هذا لم يكرر في القرآن. هذا، وما أخرجه النحاس في ناسخه عن ابن عباس بأن هذه الآية منسوخة بآية (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) الآية ١٨ من سورة الإسراء المارة في ج ١، مردود من وجهين: الأول أن هذه من الأخبار والأخبار لا يدخلها النسخ كما نوهنا به في الآية ٤١ من سورة يونس المارة، الثاني أن آية الإسراء مقدمة على هذه بالنزول، والمقدم لا ينسخ المؤخر كما بيناه في بحث الناسخ والمنسوخ في المقدمة ج ١، فلا معنى للقول بالنسخ البتة «أُولئِكَ» الذين وصفوا أعلاه هم «الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ» لأنهم استوفوا ثواب أعمالهم في الدنيا وقد عملوها لأجلها «وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها» من الخير لأنهم صنعوه للسمعة والرياء فلم يقصدوا فيه رضاء الله، فكافأهم عليه في الدنيا لأن عمل الخير لا بد وأن يكون له ثواب لا يعدمه فاعله بمقتضى قوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) الآية ٧ من سورة الزلزلة في ج ٣.
[مطلب العمل لغير الله والآية المدنية الثالثة وعود الضمير في منه:]
قال تعالى «وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ١٦» في الدنيا من الخير أي في الآخرة لأنه كان لغير الله ولمكافأتهم عليه فيها، والباطل لا ثواب له في الآخرة.
أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك