لا يدري أتضع ليلا أم نهارا، فألجأه السير إلى جانب الطور الغربي الأيمن بالنسبة له، لأن الجبل لا يمين له ولا شمال، فأخذ امرأته الطلق وولدت، فجمع حطبا وصار يقدح زنده (وتسميه العامة زنادا ويقال أورى إذا قدح، وصلد إذا لم يقدح) فلم يور فنظر إلى جهة الطور، فإذا هو بنور ظنه نارا، وما أحسن هذا الضلال إذ كان فيه الهدى، وكان ابن الفارض رحمه الله ألمع إلى هذا بقوله:
ما بين ظال المنحنى وظلاله ... ضل الميتم واهتدى بضلاله
وما أحسن هذا الجناس والمقابلة بين ظال وضل وظلاله وضلاله
«فَلَمَّا أَتاها» أي النار التي رآها عن بعد ليقتبس منها فنأت عنه، فنأى عنها، فدنت إليه، فوقف متحيرا، إن أقدم إليها تأخرت وإن تأخر عنها دنت منه، فعند ذلك «نُودِيَ» من قبل حضرة القدس «يا مُوسى ١١ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ» وهذا هو الإرهاص بعينه، راجع معناه في بحث الوحي في المقدمة، وذلك لأنه لم يتنبأ بعد حتى تظهر له الخوارق على طريق التحدي الذي هو من شأن النبوّة، فوقف ولم يعلم ما يفعل، فأمره ربه بقوله «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» لتباشر رجلاك الأرض المقدسة فتصيبها بركة الوادي الذي هو فيه إذ انتشر فيه نور الإله، وإجلالا لنور تلك الحضرة المقدسة، إذ لا يليق أن يخوض ذلك النور وهو متنعّل. وما قيل إنها كانتا من جلد حمار ميت فغير ثابت، وما استدل به على هذا في الحديث الذي أخرجه الترمذي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبّة صوف وكمة صوف (أي قلنصوة صغيرة) وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار. ولم يذكر فيه أنه ميت والرواية التي فيها لفظة ميت غريبة لم تثبت، وأنه عليه السلام خلعهما حالا وطرحهما وراء الوادي، يدل على هذا قوله عز قوله «إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» ١٢ فإن هذه الآية جاءت تعليلا لذلك الأمر، إذ لا ينبغي أن يداس هذا الوادي المقدس بنور الإله من قبل أحد ما وهو متنعل «وَأَنَا اخْتَرْتُكَ» من قومك ومن الناس أجمعين، لأن أشرفك بنبوتي ورسالتي وأرسلك لهداية خلقي «فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى» ١٣