للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية ... منها «أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» ٤» جمعها جمع من يعقل وقال رأيتهم ولم يقل رأيتها لأنه أخبر عنها بفعل العقلاء كقوله تعالى «يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ» الآية ١٨ من سورة النمل في ج ١ لتنزيلها منزلة العاقل، ومثل هذا كثير في القرآن حتى في الأصنام لهذه العلّة «قالَ يا بُنَيَّ» صغّره تعظيما له وشفقة عليه أو لعذوبة اللفظ وقال له «لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ» هذه الآن «عَلى إِخْوَتِكَ» فإن لها مغزى عظيما وأخاف إذا قصصتها عليهم أن يحسدوك عليها لما يتخيلون من معناها «فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً» عظيما يخشى عليك من عاقبته، أمره عليه السلام بكتمان رؤياه، لأنه عرف من معناها أن الله تعالى يصطفيه لنبوته وينعم عليه في الدارين، وإن لها عاقبة حسنة، فحذرا من أن يتفرس إخوته بتأويلها فيغاروا منه فيحتالوا عليه فيهلكوا، لأنهم وإن كانوا عقلاء فلا يؤمن عليهم من اتباع وساوس الشيطان، لذلك قال «إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ» أراد جنسه ليشمل كل أفراده الأنبياء، فمن دونهم قبل نبوتهم، لأنه بعدها لا تأثير له عليهم لعصمتهم من قبل الله «عَدُوٌّ مُبِينٌ» ٥ عداوته لأنه لم يخفها منذ أظهرها لآدم عليه السلام، وإنما قال يا بني بالتصغير حنانا عليه ورأفة به، لأنه كان يحبه حبا مفرطا أوجب حسد إخوته له قبل الرؤيا، فإذا سمعوا هذه الرؤيا يزداد حسدهم ويفتح لهم الشيطان باب التزيين لإهلاكه. ولهذا خاف عليه من أن يبيّن لهم نتيجة محبة أبيه وما يؤول أمرهم منها، ويحسن لهم التخلص منه وبين لهم سبلها قبل أن يكبر فيعجزوا عنه ويسيطر عليهم.

[مطلب في الرؤيا وماهيتها وما يفعل رائيها وفي الحواس العشرة:]

روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة قال كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السوء من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يحبّ فلا يحدث بها إلا من يحب، وإذا رأى أحدكم ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا. ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وشرّها فإنها لا تضره.

<<  <  ج: ص:  >  >>