للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«آذانَ الْأَنْعامِ» ففعلوها ولا زال الناس يقطعون الآذان ويبترون الأذناب ويسوفون ويؤملون ويتمنون ما لا يكون اتباعا لإغواء الملعون الذي برّ بقسمه راجع الآية ٢٠ من سورة سبأ ج ٢، ولم تكرر هذه اللفظة في القرآن كله «وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ» من حيث الصورة الظاهرة كالخصاء والوشم، أو الصفة كنتف الشعر ويسمى التنميص، والوشم وهو تحديد الأسنان وتدقيقها، ووصل الشعر وصبغه وكيه، والتخنث كحلق الشارب واللحية تشبها بالنساء، ودهن الوجه بما يغير لون بشرته بالكلية، وكل هذه العادات القبيحة سارية بازدياد لكل ما فيه تبديل الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وقال (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الآية ٣ من سورة الروم ج ٢، وهي مكررة في الأنعام وغيرها أي أن هؤلاء المتبعين لوساوس الشيطان مهما عملوا من التغير للخلقة الأصلية لا يقدرون على تغييرها حقيقة، وإنما عملهم ذلك عبارة عن تبدلات ظاهرية موقتة بالصورة والصفة والهيئة فقط، لا تزيد على شهر ثم ترجع على حالتها الأولى، ثم يحددون ذلك دواليك، وذلك لأنهم اتخذوا الشيطان قدوة لهم فيما يزين لهم ويموه عليهم «وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا» فيصغي لوساوسه ويطيعه «مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً» (١١٩) في الدنيا والآخرة «يَعِدُهُمْ» الخبيث كذبا «وَيُمَنِّيهِمْ» بدسائسه ما لا ينالونه، وهذا كل أمانيه باطلة لأنها عبارة عن وعود خلابة لعقولهم «وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً» (١٢٠) في الدنيا، لأنه لا يقدر على إنجاز ما وعدهم فيها

«أُولئِكَ» المتخذون الشيطان وليا لهم، يكون «مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً» (١٢١) مفرا ولا معدلا. ولما ذكر الله تعالى وعيد الكافرين ناسب أن يعقبه بوعد المؤمنين فقال «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا» (١٢٢) لا أحد البنة وهو الآمر بالصدق الذي أرسل رسوله بالصدق. وأنزل كتابه بالصدق وأمر عباده بالصدق فياويل الكاذبين. واعلم أن هؤلاء الذين وعدهم الله بالجنة وأولئك الذين أوعدهم بالنار «لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ» أي ما تقدرونه بالكذب أيها المشركون

<<  <  ج: ص:  >  >>