كان نباتا أو معدنا، لأن المعادن كلها موزونة، ولا يقال إن موزون لا يعود إلى النبات، لأن النبات لا بوزن بل يعود إليه أيضا، ولأن ما يحصل من النبات منه ما هو موزون، وفيه ما هو مكيل والكيل يرجع إلى الوزن. واعلم أن هذه الآية تشير إلى ما يسميه علماء هذا العصر بالثقل النوعي، فالإخبار به في عصر نزول القرآن من المعجزات العظام إذ لا يوجد من يعرف إذ ذاك ممن عاصر حضرة الرسول محمد صلّى الله عليه وسلم في مكة وحواليها بأن كل شيء يخرج من الأرض والجبال والأودية مائع أو جامد له ثقل مختص به لا يشاركه غيره فيه، فثقل الذهب النوعي ٥/ ١٩ والفضة ٥/ ١٠ والنكل ٢٨/ ٩ والزئبق ٥٩/ ١٢ والراديوم الذي عنصره مثل عنصر الزئبق يشبه ملح الطعام، ولا يوجد منه في العالم كله (كما يزعمون) إلا بضع أوقيات، وقد اهتم العلماء به لأنه يشع حرارة وضوءا لا ينطفىء ولا يبرد مهما مضى عليه من السنين، فكأنه شمس تحتوي على كمية كبيرة منه، ويستخرج من مادة تدعى بنسيلند توجد في مناجم الرصاص والفضة والقصدير، وهلم جرا في بقية الأجسام والمائعات المختلفة في الوزن كما هي مختلفة بالنوع والصفة، وهذا برهان قاطع على علائم نبوته صلّى الله عليه وسلم وكما يطلق لفظ موزون على ذلك يطلق على الكلام المتناسب. قال عمرو بن ربيعة في هذا:
وحديث النوى وهو مما ... تشتهيه النفوس بوزن وزنا
وأبواب الشعر لها أوزان مخصوصة أبلغوها إلى ستة عشر عدا الرجز كما هو مبين في علم العروض «وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ» تنمون بها حياتكم «وَمَنْ» ولمن على تقدير الجار، لأنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار، وعليه فلا يكون محل من مجرورا بالعطف على الكاف من لكم فيكون المعنى ومعايش لمن «لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ ٢٠» من العيال والخدم والعبيد والدواب والطيور والحيتان والوحوش والديدان وغيرها.
[مطلب كل شيء من عند الله وبسط الرزق وقبضه لحكمة أرادها ومعنى الريح والرياح:]
فإن الله تعالى يرزق خلقه كافة، وأنتم تنتفعون من مخلوقاته تلك من غير أن