ظهور الحق ووضوحه بشيء يقبل بل يذهب ويضمحل ولم يبق له إبداء أمر ما ابتداء «وَما يُعِيدُ ٤٩» فلم يبق له إعادة أي فعل ثانيا وهذا المعنى مأخوذ من الهلاك وهو الموت فإن الحيّ إذا مات لم يبق له إبداء شيء ولا إعادته كما تقول لا يأكل ولا يشرب وتريد أنه ميت، قال عبيد بن الأبرص:
أقفر من أهله عبيد ... فاليوم لا يبدي ولا يعيد
وقال بعضهم إن المراد بالباطل هنا إبليس أي انه لا يبدي لجماعته خيرا ولا يعيده لهم وانه لا يخلق أحدا ابتداء ولا يعيده إذا مات لأن الباطل هو الصنم الذي لا ينفع ابتداء ولا يضرّ انتهاء وما جرينا عليه أليق بالمقام وأنسب بالمقال والله أعلم.
ولما قال الكفرة إلى محمد صلى الله عليه وسلم قد ضللت بتركك دين آبائك أنزل الله ردا عليهم بما فيه تقرير الرسالة أيضا بقوله «قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء الزائغين الطائشين «إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي» ويكون وباله عليها لأن النفس الكاسبة للشر الأمارة بالسوء تنال جزاءها، وهذا من باب التقابل لمثل كلامهم وإلا فالضلال عليه محال ولذلك جاء بأن التي هي للشك ونسب الضلال للنفس لأنها مجبولة على السوء «وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي» من الحق الذي شرفني به والتوفيق الذي منحني إياه «إِنَّهُ سَمِيعٌ» لأقوالي مجيب لدعائي «قَرِيبٌ ٥٠» مني ومن خلقه أجمع لا يخفى عليه شيء من أحوالنا فيجازي الضال منا ويثيب المهتدي إذا شاء،
ثم التفت إلى حبيبه وخاطبه بقوله عزّ قوله «وَلَوْ تَرى» يا حبيبي «إِذْ فَزِعُوا» هؤلاء الضّلال عند بعثهم من قبورهم وقد غشيهم الخوف والوجل وأخذتهم الدهشة وصاروا بحالة لا يعلمون ما يفعلون ولا يعون ما يتكلمون ولا يعرفون ما يشاهدون ولا يدرون أين يذهبون، وإذ ذاك «فَلا فَوْتَ» لأحد منهم من الله ولا نجاة من عذابه ولا مهرب من عقابه ولا خلاص من حسابه «وَأُخِذُوا» من قبل ملائكة العذاب «مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ٥١» من الأرض من تحت أقدامهم أو من الموقف الذين هم عليه وسيقوا إلى جهنم وزجّوا فيها جماعات ووحدانا لرأيت أمرا مزعجا أهابك مرآه وشيئا فظيعا وددت أن لا تراه «وَقالُوا» وهم في العذاب وقد عرفوا أن عقابهم هذا بسبب عدم الإيمان بك