للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصادمة أفكاركم أنه «ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ» كما تزعمون بادىء الرأي وتعلمون حقا أنه من أكملكم وأعقلكم وأرحمكم و «إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ٤٦» تعجز عنه قواكم ليس إلا وعرفتم أنه لا يريد إلا نجاتكم منه آمنتم به وصدقتموه إن كان لكم عقول تنتفعون بها، لأنكم ما جرّبتم عليه كذبا طيلة هذه المدة، ومن كان لا يكذب على الناس فهو أجدر أن لا يكذب على الله، لا سيما وقد علمتم أنه من أحسن قريش أصلا، وأزكاهم قولا وأعلاهم حسبا، وأصدقهم لهجة، وأوزنهم حلما، وأحدهم ذهنا وأرضاهم رأيا، وأذكاهم نفسا، وأشرفهم نسبا، وأجمعهم لما يحمد عليه ويمدح به، وأبعدهم عما يلام عليه، وهو أرجحهم عقلا، وأوضحهم خطابا، وأقواهم حجة، وأوفاهم برهانا، وأكملهم كتابا، وأنصحهم بيانا، وأعدلهم دليلا، يظهر لكم من هذه الخصال التي لا تنكرون شيئا منها إذ أجمعت كلمتكم على تسميته بالأمين. إنكم مخطئون بما تصمونه به من الجنون

والسحر والكهانة واعلموا أن إلحاحه عليكم بالإيمان ما هو إلا حبا بكم وحرصا عليكم من أن ينالكم غضب الله وخشية من إيقاع عذابه بكم ليس إلا، فيا حبيبي يا محمد «قُلْ» لهم «ما سَأَلْتُكُمْ» على هذا النصح والإرشاد «مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ» هذا جواب شرط محذوف تقديره أي شيء سألتكم من جعل عليه فهو لكم، والمراد منه في السؤال رأسا، كقولك لصاحبك إن أعطيتني شيئا فخذه وأنت تعلم أنه لم يعطك شيئا فما هنا شرطية واقعة مفعولا لسألتكم «إِنْ أَجْرِيَ» على التبليغ في الإنذار ما هو «إِلَّا عَلَى اللَّهِ» وحده لا عليكم «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ٤٧» ومن جملة الأشياء التي هو شهيد عليها عدم طلبي جعلا منكم على نصحكم وإنما أرجو عليه ثوابا من الله الذي أرسلني إليكم «قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ» فيرسل الوحي من السماء إلى رسوله على لسان أمينه جبريل عليه السلام، ومعنى القذف الرمي بشدة والدفع بالقوّة، ويراد منه هنا الإلقاء والتنزيل، وهو موافق للمعنى المراد لأنه من العلي الأعلى إلى عبده «وهو عَلَّامُ الْغُيُوبِ ٤٨» خفيات الأمور وبواطنها «قُلْ جاءَ الْحَقُّ» الذي لا أحق منه وهو القرآن الذي جاء بالتوحيد والإسلام «وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ» بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>