(٨٤) خارجون عن طاعتهما، وهذه الآية تشير إلى إهانتهم بعد الموت كما كانوا قبله، وقد وصفهم الله بالفسق بعد الكفر، مع أنه داخل فيه، لأن الكافر قد يكون عدلا يؤدي الأمانة ولا يسيء إلى أحد، وقد يكون مع كفره على ضد ذلك خبيث النّفس ماكرا مخلدعا غشاشا. ولما كان المنافقون جامعين لهذه الصّفات القبيحة المخزية، نعتهم الله تعالى بالفسق بعد الكفر، وكلاهما خيثان.
[مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:]
روى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب، قال لما مات عبد الله بن أبي سلول دعى له رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام صلّى الله عليه وسلم وثبت إليه، فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبي سلول وقد قال يوم كذا: كذا وكذا أعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال أخّر عنّي يا عمر، فلما أكثرت عليه قال إني خيّرت فاخترت. أي خيرت في آية الاستغفار عدد ٨٠ المارة لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت، وهذا من كرم أخلاقه صلّى الله عليه وسلم وعظيم عفوه وكثير صفحه عمن أساء له، وشدة حرصه على من ينيب اليه، لأن هذا من أشد النّاس عداوة له صلّى الله عليه وسلم فداك أبي وأمي ما أحلمك يا رسول الله. واعلم أيها القارئ أن هذا لا يعارض قوله تعالى (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) الآية ٨ من سورة المنافقين المارة، لأن هذا الاستغفار مخير فيه لا منهي عنه، والفرق بينهما واضح، تأمل. وقد علم صلّى الله عليه وسلم بطريق الوحي أنه لا يغفر له، قال فصلى عليه ثم انصرف فلم يمكث إلّا يسيرا حتى نزلت الآية، قال فعجبت من جرأتي على رسول الله يومئذ، وهذا الحديث مقيد بحديث سأزيد على السّبعين الذي يفيد الوعد المطلق، لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضا، وتقيد وتخصص أيضا، كالآيات القرآنية، والله ورسوله أعلم. وقد أخرج هذا الحديث الترمذي وزاد فيه، فما صلّى صلّى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله، وفي رواية جابر للبخاري ومسلم أنه ألبسه قميصه ونفث عليه،