للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

وللعلم بما في هذه الغزوة من بعد الشّقة وكونها زمن الحر والجدب وعسرة النّاس وضيقهم، ولعلمهم أن عدوهم فيها عدو قوي، كان من المسلمين من تثاقل منها وأحب التخلف عنها، أنزل الله تعالى في عتاب المخلفين وتوبيخهم على ما وقر في قلوبهم، فقال عز قوله «لَوْ كانَ» ما استنفرتم إليه «عَرَضاً» مغنما «قَرِيباً» محله سهلا تناوله «وَسَفَراً قاصِداً» وسطا لا مشقة فيه «لَاتَّبَعُوكَ» يا حبيبي طمعا في المنافع الدّنيوية دون تروّ أو تردد ولعاتبوك على عدم استصحابهم معك، كما مرّ في الآية ١٥ من سورة الفتح المارة «وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ» في هذه الغزوة واستطالوا مسافتها وطريقها الشّاق، وتخوفوا من الحر وقلة الزاد والماء، لذلك لم يلبوا دعوتك ولم يرغبوا بها فتخلف من تخلف منهم، وصاروا ينتحلون الأعذار لتغض عنهم وتأذن لهم بالتخلف «وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ» لك هؤلاء المتخلفون المنافقون بأعذار كاذبة، بينها الله بقوله عز قوله «لَوِ اسْتَطَعْنا» الخروج معك يا رسول الله إلى تبوك «لَخَرَجْنا مَعَكُمْ» ولم يعلم هؤلاء أنهم بهذه الأيمان الواهية والأعذار المنتحلة «يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ» لأنهم يقترفون جرما علاوة على جرمهم بالتخلف، لأن الله تعالى يعلم أنهم مستطيعون على الخروج وأن ما يختلفونه من الأعذار لا صحة لها، ولم يمنعهم مانع إلّا بعد محل هذه الغزوة وتوقع مشاقها «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» (٤٢) في حلفهم وعذرهم، لأن هذا مدون أيضا في اللّوح قبل أن يبدوه لك يا سيد الرّسل، وقد أظهره الله الآن لكم ليفتضحوا وليعلموا أن الله تعالى بالمرصاد لهم ولغيرهم، لا يعزب عن علمه شيء وأنه يخبر رسوله ليطلع أصحابه عليه. واعلم أن حضرة الرّسول قبل نزول هذه الآية كان أذن لهم بالتخلف بناء على ما تقدموا به إليه من الأعذار الموثقة بالأيمان، ولهذا فإنه تعالى عاتبه على ذلك بألطف وأرق أنواع العتاب، إذ صدره بقوله عز قوله «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ» وزادك تبصرا في هؤلاء المنافقين الّذين يبطنون غير ما يظهرون «لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ» بالتخلف يا سيد الرّسل حتى يحتجوا به فهلا استأنيت وترويت بإذنهم «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا» باعتذارهم فتأذن

<<  <  ج: ص:  >  >>