[مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:]
واعلم أن الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقائق الأمور، وسهو يعتريه من قلة التحفظ والتيقظ وهو في حق الله تعالى محال، والمقصود منها عدم معاملة الظالم معاملة الغافل، بل ينتقم منه للمظلوم ويعامله معاملة الرقيب الحفيظ الحسيب العالم بجزئيات ما وقع منه فضلا عن كلياتها، ففي الآية تهديد للظالم وتعزية للمظلوم.
والمراد من توجيه الخطاب لحضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم مع أنه يعلم أن ربه ليس بغافل ولا يتصور منه الغفلة فيما يتعلق بربه التثبت على ما كان عليه، كقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) الآية ١٣٥ من سورة النساء في ج ٣، أي اثبتوا على الإيمان الذي أنتم عليه، وقد يراد به خطاب أمته الغير عارفين بصفات الله، ويكون على حد قوله (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الآية ٨٧ من سورة النمل المارة في ج ١ (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ) الآية ٨٩ منها أيضا، ولا يخفى أن حضرة الرسول عالم بذلك، وظهور الحال على ما قيل يغني عن السؤال، وقيل في هذا المعنى مما هو منسوب للشيخ عمر السهروردي دفين بغداد قدّس سره ونور ضريحه:
ويمنعني الشكوى إلى الناس أنني ... عليل ومن أشكو إليه عليل
ويمنعني الشكوى إلى الله أنه ... عليم بما أشكوه قبل أقول
وسنأتي على بحث إسكان إسماعيل في مكة في الآية المذكورة من سورة البقرة إن شاء الله «وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ» ويحيط بهم «فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا» أنفسهم إذ ذاك «رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ» أي ردنا إلى الدنيا وأمهلنا فيها مدة قليلة «نُجِبْ دَعْوَتَكَ» التي أمرت بها «وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ» الذين أرسلتهم فأجابهم ربهم «أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ» حينما كنتم في الدنيا وقلتم فيما بينكم فيها «ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ» ٤٤ من مصيركم الذي دفنتم فيه إذا متم أي تبقون ميتين وأنكرتم النشور والحساب «وَسَكَنْتُمْ» فيها «فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» من الكفرة