هذه الأشياء التي تعاينونها، فأيقنوا أن إله الخلق هو الذي خلقها وأوجدها، فتحيّر فرعون من جواب موسى والتفت الى قومه «قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ» من ملئه وأشرافهم «أَلا تَسْتَمِعُونَ» ٢٥ جواب موسى، اسأله عن ماهية ربه فيجيبني عن آثاره، فلما سمع كلامه زاده بيانا «قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ» ٢٦ فإن لم تستدلوا عليه بآبائكم فاستدلوا عليه بأنفسكم، وإنما قال هذا موسى لأن فرعون ادعى الربوبية على أهل عصره فقط فاغتاظ فرعون إذ عرّض به موسى أمام قومه وجعله من جملة المربوبين، وهو يزعم أنه إله لهم فصار يندد بموسى أمامهم ليموه عليهم «قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ» ٧ ٢ بظنه وجود إله غيري وإعطائه الجواب على خلاف السؤال، فالذي لا يفهم وجوه الإجابة على مقتضى السؤال كيف يدعي الرسالة لمن يزعم أنه إلهه، ثم زاده بيانا بالعظمة «قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ» ٢٨ أجوبتي الدالة على أفعال ربي وصفاته، ولا جواب لسؤالكم إلا ما ذكرته، فإذا عقلتم تلك الأجوبة عرفتم الحقيقة. ولما رأى فرعون شدة عزم موسى وقوة حزمه وأنه لا يجارى بالمناظرة وأن أجوبته مبنية على حكم بالغة عدّده بقوله «قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ» ٢٩ والسجن عند فرعون أشد عذابا من القتل، لأنه يأمر بإلقاء السجين في هوة تحت الأرض لا يبصر فيها ولا يسمع، وإنما أقسم وتوعد لانه خاف أن يستميل قومه بما ذكر من البراهين على إلهه وبالحجج القاطعة على أسئلة فرعون الدافعة لحجته، وليظهر لقومه أنه قادر على إفحام هذا الرسول وقتله، وليبين لهم أن لا إله غيره، كما يذكره لهم، ولما سمع كلامه موسى ورأى ان بلغ فيه الغضب مبلغه خاطبه «قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ» ٣٠ ظاهر يدل على رسالني وإثبات ما قلته لك أتسجنني ايضا؟
وهذا سكون إلى الإنصاف وإجابة للحق، ومن أكمل أخلاق البشر الحسنة وأحاسن الآداب الكريمة، فركن فرعون لقوله حتى زال ما به
«قالَ» ما هو هذا الشيء الذي تأتيني به «فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» ٣١ في قولك وإلّا سجنّاك، وإنما قال له هذا خشية من انتقاد قومه له الذين تطاولت أعناقهم إلى