، وهذا القول لا يجترىء عليه ذو عقل بل هو خرق لقضايا العقول، وإثم كبير لا يقادر قدره،
قال تعالى «وَلَقَدْ صَرَّفْنا» كررنا وبيّنا، والتصريف أصله صرف الشيء من جهة إلى أخرى، ولكنه استعمل في التّبيين والتكرير على طريق الكناية، لأن من يحاول بيان الشيء يصرف كلامه من نوع إلى آخر لكمال الإيضاح «فِي هذَا الْقُرْآنِ» العظيم من العبر والحكم والأخبار والقصص والأمثال والحجج والآيات والبراهين، «لِيَذَّكَّرُوا» به قومك يا أكمل الرسل فيتعظوا بزواجره ويخبتوا لأوامره لأن هذا التكرار يقتضي الإذعان والركون إلى ما فيه، ولكنهم تمادوا في كفرهم «وَما يَزِيدُهُمْ» ذلك التبيين «إِلَّا نُفُوراً» ٤١ من حقك الذي جئتهم به، وصدودا عن الإيمان الذي تأمرهم به، وجحودا للكتاب الذي أنزل إليهم، وتباعدا عنك وإعراضا، وما ذلك منهم إلا تعكيس في الحق وتماد في الباطل، وقرىء (ليذكروا) بالتخفيف هنا كما قرىء في مثلها في سورة الفرقان المارة الآية ٥٧ من الذكر بمعنى التذكر ضدّ النسيان والغفلة، كما قرىء صرفنا بالتخفيف أيضا وهو مثل صرفنا بالتشديد، إلّا أنه لا يدل على التكثير «قُلْ» يا أكمل الرسل لهؤلاء المشركين في إظهار بطلان ما تفوّهوا به «لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ» بالتاء خطابا لهم وبالياء على الغيبة وكلا القراءتين جائزة هنا لأنه إذا أمر أحد تبليغ الكلام المأمور به لغيره فالمبلغ له في حال تكلم الأمر غائب، ويصير مخاطبا عند التبليغ، فإذا لوحظ الأول كان حقه الغيبة، وإذا لوحظ الثاني كان حقه الخطاب «إِذاً» إذ لو كان مع الله آلهة أخرى تعالى الله عن ذلك «لَابْتَغَوْا» لطلبوا «إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا» ٤٢ طريقا لمغالبته وقهره ليزيلوا ملكه كما تفعل ملوك الأرض بعضها ببعض، ولكن ليس معه آلهة قطعا، كيف وهو رب العرش العظيم الإله الجليل الذي لا رب غيره، راجع الآية ٣٣ من سورة الرحمن في ج ٣. وهذه الآية تشير إلى برهان التمانع المذكور في قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) الآية ٢١ من سورة الأنبياء في ج ٢ كما سيأتي تفصيله فيها إن شاء الله. وقال مجاهد وقتادة إن المعنى إذا لطلبوا الزلفى إليه والتقرب لحضرته بالطاعة لعلمهم بعلوّه سبحانه عليهم وعظمته ورفعته،