«تَنْزِيلًا» مفعول مطلق أي أن هذا القرآن نزل عليك يا محمد «مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى» ٤ كما يقوله كفرة قومك من كونه سحر أو كهانة أو من خرافات الأولين أو من تعليم الغير، بل هو من الله الخالق لهذين الحرمين العظيمين وهو «الرَّحْمنُ» الذي وسعت رحمته كل شيء عزت قدرته وجلت عظمته «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» ٥ استواء يليق بذاته ويراد ممنه الظهور والاستيلاء والتمكن.
[مطلب العرش ومعنى الاستيلاء عليه:]
والعرش لغة السرير ذو القوائم، أما عرش الرحمن فهو شيء يليق بذاته لا يعلم حقيقته على الحقيقة إلا الله، إلا أنه شيء يحمل لقوله تعالى (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) الآية ١٥ من سورة الحاقة- في ج ٢ وهذه الآية تدل على عظمته، لأن الملك الواحد يقوى على حمل الأرض بما فيها، فكيف إذا كانوا ثمانيه أملاك، ومن هاهنا تعلم عظمته، قالوا هو كالقبة فوق السموات له قوائم، بدليل ما رواه البخاري عن أبي سعيد، قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه، فقال يا محمد رجل من أصحابك قد لطم وجهي! فقال صلى الله عليه وسلم: أدعوه فقال لم لطمت وجهه؟ فقال يا رسول الله إني مررت بالسوق وهو يقول والذي اصطفى موسى على البشر، فقلت يا خبيث وعلى محمد صلى الله عليه وسلم، فأخذتني غضبة فلطمته. فقال صلى الله عليه وسلم لا تميزوا بين الأنبياء، فان الناس يصعقون وأكون أول من يفيق، فإذا بموسى عليه السلام أخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور. أي لم يصعق وهو فوق السموات بدليل ما رواه ابو داود عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس، ونهكت الأموال، فاستق لنا، فإنا نستشفع بك إلى الله ونستشفع بالله تعالى عليك فقال صلى الله عليه وسلم ويحك أتدري ما تقول؟ وسبّح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجهه أصحابه، ثم قال ويحك انه لا يستشفع بالله تعالى على أحد من خلقه، شأن الله تعالى أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إن الله تعالى فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته