بعد موت النبي صلّى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة يريد حادثة عثمان رضي الله عنه وما وقع بين علي كرم الله وجهه ومعاوية إذ ألبسوا شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض وبقيت
اثنتان لا بد واقعتان وهما الخسف والرجم وبهذا قال أبي بن كعب ومجاهد وغيرهما فيا أكرم الرسل «انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ» ونكررها بالوعد والوعيد والرجاء والخوف والرضاء والغضب «لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ٦٥» معانيها ويتدبرون مغازيها فينزجروا عما هم فيه «وَكَذَّبَ بِهِ» بهذا القرآن «قَوْمُكَ» يا محمد «وَهُوَ الْحَقُّ» الذي لا مرية فيه ولا أصدق منه «قُلْ» لهم إذ جرأوا على ذلك قوا أنفسكم من عذاب الله لأني «لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ٦٦» حتى أقيكم منه ولا بمنتقم حتى أجازيكم عليه ولا بحفيظ حتى أحفظكم من عذابه إنما أنا منذر مبلغ مرشد فقط ولكن عليكم أن تعلموا أن «لِكُلِّ نَبَإٍ» من أخبار القرآن «مُسْتَقَرٌّ» ينتهي إليه إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما فيهما معا في الوقت والمكان الذي قدر وقوعه فيه لا يتقدم ولا يتأخر ولا يتخلف، ولا تزالون أيها الكفرة تتلبسون في حالتي التكذيب والجحود حتى يأتيكم أمر الله «وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ٦٧» إذ ذاك مغبة عملكم وقساوة جزائه، وهذه الآية محكمة بدليل وقوع التهديد والوعيد في آخرها، وما قيل إنها منسوخة بآية السيف قيل لا يصح لأن صاحب هذا القيل فسر وكيل بعبارة (لم أومر بحربكم) وهذا المعنى أبعد من عنقاء مغرب لأن وكيلا بمعنى حفيظ ورقيب ومدافع وزعيم وحميل ومحام ليس إلا ومتى كان كذلك فإنه إنما يطالبهم بالظاهر من الإقرار والعمل لا بما تحتويه ضمائرهم بدلالة قوله (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) تدبر هذا.
[مطلب النهي عن مجالسة الغواة وذم اللغو وتهديد فاعليه ومدح من يعرض عنه:]
واعلم أن الله تعالى يقول «وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا» المنزلة عليك يا سيد الرسل وهذا خطاب له ولأمته لأن الآية صالحة للعموم أكثر منها للخصوص، وهذا الخوض هو ما يقع منهم من السخرية والاستهزاء والطعن والذم والتكذيب والإنكار بوجود الإله والنبوة والمعاد ومعناه لغة الشروع في الماء والعبور فيه ويستعار للأخذ بالحديث والشروع فيه بطريق التنقيد والتفنيد، يقال