للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى بين النّوعين والتحذير من ردّيتهما.

قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» وتحزنكم وتكدر خواطركم لأنكم لا تقدرون على فعلها أو يعز عليكم تناولها فقد تكون لمضرتكم أقرب من منفعتكم «وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ» أي إذا صبرتم عن السّؤال عنها إلى نزول القرآن فيها فهو خير لكم وإن لم ينزل فيها القرآن فهو خير لكم أيضا، فلا تتعرضوا للسؤال عنها فلعلها محزنة لكم أو تكون تكاليف شاقة لا تطيقونها «عَفَا اللَّهُ عَنْها» عنكم فلم يكلفكم إياها فلماذا تتعجلون على الله بالسؤال عنها وتتطلبونها من حيث لا لزوم لكم بها؟ روى البخاري ومسلم ع عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان قوم يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرّجل من أبي ويقول الرّجل تضل ناقته أين ناقتي، فأنزل الله فيهم هذه الآية. وروى مسلم عن أبي هريرة قال خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا أيها النّاس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل أني كلّ عام يا رسول الله؟ قال فسكت حتى قالها ثلاثا، ثم قال ذروني ما تركتكم، ولو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، وإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ثم سألوا عن البحيرة والسّائبة الآتيتين بعد هذه الآية وعما كان من أعمال الجاهلية وبعضهم اقترح إنزال آية، فأنزل الله هذه الآية ردعا لهم، لأن من سأل عن نسبه لم يأمن أن يلحقه العار بان يلحقه صلّى الله عليه وسلم لغير أبيه فيفتضح ويفضح أمه وقومها ومن سأل عن الحج لم يأمن أن يؤمر به فيصعب عليه وعلى الأمة أجمع وجوب تكرره، وكذلك من يسأل عن أشياء لم تفرض فيوشك أن تفرض بسبب سؤاله فتكلف الأمة كلها زمرة، فلهذا نهاهم الله تعالى عن السّؤال لحضرته خشية افتراض ما يسألون عنه، فيعجزون عن أدائه، فيعاقبون على تركه «وَاللَّهُ غَفُورٌ» كثير المغفرة للناس لو يعلمون ما قدرها، ولذلك لا يؤاخذكم عما يبدر منكم ويستر عليكم ما تقترفونه خفية لعلكم تتوبون وترجعون، وقد أبت رحمة الله بكم أن يفضحكم لمرة أو مرتين أو يسلط عليكم عدوا منكم وعدوا من غيركم «حَلِيمٌ» (١٠١)

<<  <  ج: ص:  >  >>