ورفع يديه وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم أرضنا وارض عنا.
[مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:]
قال تعالى «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ» آدم عليه السلام بدليل قوله «مِنْ سُلالَةٍ» أي خلاصة «مِنْ طِينٍ» ١٢ معجون من أنواع تراب الأرض، ولذلك ترى أولاده الأبيض والأحمر والأسود والأصفر وما بينهما، والمؤمن والمنافق والكافر والمرائي والمداهن وما بينهما «ثُمَّ جَعَلْناهُ» أي الإنسان «نُطْفَةً» ماء قليلا نحو النقطة من مائي الرجل والمرأة والمراد نسل آدم، لأنه المخلوق من النطفة لا آدم نفسه «فِي قَرارٍ مَكِينٍ» ١٣ حصين وهو الرحم لا يتسرب إليه غيرها «ثُمَّ خَلَقْنَا» وسط ذلك الرحم المحرز المصون بتلك «النُّطْفَةَ» فصيرناها «عَلَقَةً» قطعة دم جامد «فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ» المذكورة وصيرناها في مقرها «مُضْغَةً» قطعة لحم صغيرة «فَخَلَقْنَا» تلك «الْمُضْغَةَ» نفسها بأن أحلناها «عِظاماً» وعروقا داخل مقرها المذكور «فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً» سترناها به، ولذلك قال كسونا لأن اللحم كالكسوة للعظم والعرق، إذ تتداخل به وتمتد لربط المفاصل بصورة محكمة من فعل الحكيم القدير «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ» بسبب نفخ الروح فيه وصيرورته حيوانا سميعا بصيرا ناطقا بعد أن كان جمادا، فهو مباين لحالته الأولى، ولذلك قال تعالى (خَلْقاً آخَرَ) وفي العطف بثم المفيدة للتراخي إعلام بأن ما بين كل حالة وأخرى احتياج إلى الزمن، وهو كذلك لما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملك بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فو الله الذي لا إله إلا هو إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة (فيما يبدو للناس) حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار (فيما يبدو للناس)