للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتنفيذه للعاصين «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ» ٢٤ من نبي أو رسول أو خليفة لهما، وهذا عموم خص منه العرب ما بين إسماعيل ومحمد عليهما الصلاة والسلام، إذ لم يرسل إليهم رسول ولا خليفة رسول ولم يترك لهم كتاب، كما سنبينه في تفسير الآية الأولى من سورة السجدة والآية ٤٤ من سورة سبأ في ج ٢، وقد مرّ شيء عنه في تفسير الآية ١٦ من سورة يس المارة.

[مطلب عدم انقطاع آثار الأنبياء وعدم تكفير فاعل الكبيرة:]

ولا يقال إن أكثر الأمم بين إبراهيم وموسى، وموسى وعيسى، وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ومن قبلهم لم يسلف فيها نذير وقد خلت من النبوة، لأن آثار الأنبياء فيهم باقية، وما وقع من العذاب على الكافرين منهم تنافله الخلق عن السلف، ولم ينقطع التعبد بصحف إبراهيم وإرشاده إلى زمن موسى، ولا بالتوراة إلى زمن عيسي، ولا بالإنجيل إلى زمن محمد بالنسبة لأهل الكتاب، وكذلك من قبلهم إذ دامت وصايا الأنبياء فيهم بالتناقل، وعلى هذا لم يخل وجه الأرض من آثار النبوة إذ كلما اندرست تعاليم نبي أعقبه الآخر فيحدد عهده وينشر أوامر ربه فيهم، وهكذا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه بعث قبل تمام اندراس أحكام التوراة والإنجيل، فجدد ما اندرس من ذلك شأن الأنبياء قبله وبعد أن آتاه القرآن عمم أحكامه وأمر برفض ما يخالفه، لأنه الحكم الأخير القاطع الساري على أهل الأرض إلى وقت إبادتهم، فهو خاتم الكتب السماوية، كما أنه خاتم الرسل والأنبياء، وآثار إنذاره وإرشاده الحسي والمعنوي مما جاء به من عند ربه، وما سنّه لأمته باق بتمامه إلى اليوم وبعده وإلى أن يرث الأرض ومن عليها بارئها، وقد تعهد الله له بحفظ كتابه إلى اندراس هذا الكون وحتى لا يبقى من يقول لا إله إلّا الله. قال عليه الصلاة والسلام: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق- وفي رواية لا يضرهم من خالفهم- حتى يأتي أمر الله القائل:

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الآية ١٠ من سورة الحجر في ج ٢، حتى إذا جاء أمره بخراب هذا الكون رفعه بموت أهله وعدم تعلمه، واكتفى بهذه الآية بذكر النذير عن البشير في آخر الآية بعد ذكرها مقرونين في أولها، لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>