النذارة مشفوعة بالبشارة فدل ذكرها عليها، قال بعضهم: إن عموم هذه الآية وقوله تعالى: (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) الآية ٢٩ من سورة الانعام في ج ٢، يفيد أن في البهائم وسائر الحيوانات أنبياء أو علماء ينذرونهم. وهو قول باطل لا تخفى سماجته على البهائم أمثال هذا القائل.
وما نقل عن الشيخ محي الدين قدّس سره في هذا المعنى لا يكاد يصح، وإذا كان موجودا في كتبه فهو من جملة ما دس فيها عليه من الجمل التي يبعد أن تصدر عن مثله. قال محمود الآلوسي في تفسيره رأيت في بعض الكتب أن القول بذلك كفر وأنا أقول إذا لم يكن كفرا فهو قريب منه، والأولى أن لا يكون كفرا لاحتمال التأويل في ذلك وكل ما احتمل فيه التأويل لا يكفر به، وعلى فرض أنها كبيرة ففاعلها لا يكفر راجع تفسير الآية ٧٦ من سورة يس والآية ١٩ من سورة الفرقان المارتين، قال تعالى «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ» يا سيد الرسل «فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» أنبياءهم وآذوهم كما فعل بك قومك وقد «جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ» الواضحات مثل ما جئتهم به «وَبِالزُّبُرِ» الصحف المكتوبة على الألواح المنزلة من لدنا على أنبيائهم السابقين «وَبِالْكِتابِ» الذي أنزلناه جملة واحدة كالتوراة والإنجيل والزبور «الْمُنِيرِ» ٢٥ كل منها بأوضح وأفصح الدلائل على توحيدنا ومع ذلك لم يؤمنوا، فلا تذهب نفسك حسرات عليهم. وفي هذه الآية تسلية لحضرة الرسول مما يلاقي من نكد قومه ليخفف عنه بعض همه عليهم واهتمامه بهم، لاستعجال إيمانهم، وإن شأنه شأن من قبله من الأنبياء مع أقوامهم، وان له أسوة بهم في عدم قبول الدعوة وتحمل الأذى «ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا» بهم وبكتبهم بعقوبات متنوعة بعد إمهالهم مددا يتذكر فيها من يتذكر «فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ» ٢٦ عليهم وتعذيبي لهم إنه كان شيئا عظيما لم يتصوروه، ولم يقدر على إنزال مثله غيري أنا الإله المنتقم ممن كفر بي، وفي هذه الآية تهديد لقريش قوم محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم إذا لم يؤمنوا يحل بهم ما حلّ بغيرهم من النكال «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها» في الخضرة والحمرة والصفرة