أنك تتعب دون فائدة وهذا من الضلال لأن السفينة لا تجري على اليبس، ولم يعلموا أن الذي أمره بعملها هناك قادر على إيجاد الماء لها،
لهذا رد عليهم «قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ٦١» إليكم لأرشدكم و «أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي» أوامره ونواهيه مما يعود لنفعكم «وَأَنْصَحُ لَكُمْ» فأرغبكم بفعل طاعته ليثيبكم عليها دار النعيم الدائم وأحذركم من معصيته لئلا يحل بكم عذابه الدنيوي ثم ترجعوا إلى عذابه في الآخرة، وهذا معنى النصح أما معنى الرسالة فهو عبارة عن تبليغ الرسول ما يوحى إليه من الذي أرسله إلى المرسل إليهم وتعريفه لهم وبيان ما يترتب عليه فعله وتركه وفعل نصح يتعدى باللام كما هنا وبغيره كقوله:
نصحت بني عوف فلم يتقبّلوا ... نصحي ولم تنجح لديهم رسائلي
إلا أن تعديه باللام أفصح لمجيئه بالقرآن نبع الفصاحة والبلاغة ومأخذها «وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ٦٢» من قدرته وشدة بطشه بأعدائه «أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى» لسان «رَجُلٍ مِنْكُمْ» تعرفون نسبه ومكانته فيكم «لِيُنْذِرَكُمْ» سوء عاقبة عملكم وانكبابكم على الشرك «وَلِتَتَّقُوا» عقاب الله المترتب على عدم قبوله «وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٦٣» برفع العذاب المقدر نزوله عليكم في الدنيا وبإنالة الجزاء الحسن في الآخرة لأن القصد من إرسال الرسل من الله إليكم هو الإنذار بالكف عن المعاصي والركون للتقوى التي مصيرها الفوز برحمة الله «فَكَذَّبُوهُ» وجحدوا رسالته وأهانوه، فنزل بهم العذاب على الوجه المبين في الآية ٤٠ من سورة هود في ج ٢ قال تعالى «فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ آمنوا مَعَهُ» من الغرق إذ أمرناهم أن يركبوا «فِي الْفُلْكِ» التي علمناه كيفية صنعها «وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا» عن بكرة أبيهم «إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ ٦٤» عن الحق وطرقه، يقال عم لعمى البصيرة وعام لعمى البصر، قال زهير:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عمي
وسيأتي أن عمى البصيرة يسمى عمها وسنذكر القصة مفصلة في تفسير الآية ٢٥ من سورة هود فما بعدها في ج ٢. قال تعالى «وَإِلى» قوم «عادٍ» أرسلنا ت (٢٤)