[مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:]
قال جل قوله «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها» السعاة الّذين يفوض الإمام إليهم قبضها من الواجبة عليهم «وَفِي الرِّقابِ» العبيد المكاتبين إعانة لهم على دفع ما عليهم لأسيادهم ليتخلصوا من الرّق «وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» الحديثي عهد بالإسلام بقصد ترغيبهم فيه، فإنهم يعطون من هذه الصّدقة ليزداد نشاطهم للتمسك بأصول الإسلام، فيأتلفون عليه «وَالْغارِمِينَ» الّذين استغرقتهم الدّيون لأنفسهم لغير معصية، أو أنهم استدانوا للمعروف كمنع فتنة بين المسلمين، أو الموجود قتيل بينهم لم يعرف قالته، فاستدانوا لأداء ديته، وإن كانوا أغنياء، فإنهم يعطون من الصّدقة، لأنهم استدانوا ذلك وأعطوه من أنفسهم لإصلاح ذات البين ورفع الشّقاق بين المسلمين. روي عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: لا تحل الصّدقة لغني إلّا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لرجل أسير إعانة، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق عليه فأهدى المسكين للغني- أخرجه أبو داود مرسلا لأن عطاء هذا لم يدرك النبي صلّى الله عليه وسلم، ورواه معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن سعيد الخدري عن النّبي صلّى الله عليه وسلم بمعناه «وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ» الغزاة «وَابْنِ السَّبِيلِ» المسافر الذي انقطع عن أهله وماله وإن كان غنيا في بلده، لأنه لا يطوله ولا يعرف من يقرضه في المحل الذي انقطع فيه، فهؤلاء الأصناف الثمانية يعطون من صدقة الفرض الواجبة على الأغنياء كما يعطون من غيرها أيضا «فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ» لهم على حسب الترتيب الوارد في هذه الآية، لأن الفقير أحوج من المسكين، لأنه من لا مال له ولا كسب، والمسكين من لا يكفيه كسبه، راجع الآية ٨١ من سورة الكهف في ج ٢. وقال صلّى الله عليه وسلم، اللهم إني أعوذ بك من الفقر. وقال: أحيني مسكينا واحشرني مع المساكين. وهو أحوج من المؤلفة قلوبهم، وهكذا إذا اجتمعوا يقدم الأحوج في الإعطاء. واعلم أن الحصر في هذه الآية المصدرة بأداة الحصر يفيد عدم جواز دفع الصّدقة الواجبة لغيرهم، وهو كذلك كما سيأتي بعد «وَاللَّهُ