بمصالح عباده وحاجتهم «حَكِيمٌ»(٦٠) في تخصيص الصّدقات لهؤلاء الأصناف الثمانية. أخرج أبو داود عن زياد بن الحارث المدائني قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فبايعته، فأتاه رجل فقال أعطني من الصّدقة، فقال له صلّى الله عليه وسلم إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصّدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية اجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك. الحكم الشّرعي في إيجاب الله الزكاة على عباده امتحانهم فيما آتاهم وتكليفهم ما يشقّ عليهم فعله، ليختبر الطّائع المعطي من العاصي المانع، ويظهره للناس فيعلمهم بمن له شفقة على عباده من غيره، لأن المال ماله والأغنياء وكلاؤه عليه وخزانه له، والفقراء عياله، ولأن كثرة المال تقسي القلب وتغرقه في حب الدّنيا، فأراد الله تعالى بالتصدق منه تقليل ذلك الحب لئلا تنهمك نفسه في شهوات الدّنيا ولذاتها فيهلك، ولأن المال من أول أسباب البعد عن الله تعالى، والتصدق به من أول أسباب التقرب إليه. ولا يقال هنا أن الدّين يسر ولا حرج فيه ولا يكلف الله نفسا الا وسعها الى غير ذلك من التمسك بحجج الجشعين بالمال المتكالبين عليه، لأن الله لم يكلف رب المال التصدق بكل ما عنده أو بنصفه أو عشرة حتى يكون مدار للاحتجاج، وانما كلفه بشيء يسير منه لا عسر في أدائه عليه ولا كلفة، وهو في نطاق الوسع، لأن الخارج عن الوسع هو ما لا قدرة للمرء على القيام به. ولو علم المتصدق ماله عند الله من الأجر وكانت نفسه طاهرة لأحب التصدق بما يفضل عن حاجته فضلا عن إعطائه ما فرضه الله عليه وهو ربع العشر، تطييبا لقلوب الفقراء المتعلقة قلوبهم بما في أيدي الأغنياء لينالوا نصيبهم من الانتفاع به، فيحصل على دعواتهم الخيرية، ورب دعوة صادفت وقت اجابة فينال عند الله ما هو خير من الدّنيا وما فيها. أخرج النّسائي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لا تحلّ الصّدقة لغني ولا لذي مرّة (سوي قوي) . وأخرجا عن عبد الله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو في حجة الوداع وهو يقسم الصدقات، فسألاه منها فرفع فينا نظره
وخفضه فرآنا جلدين، فقال ان شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. أي لا يحل لكما أخذ شيء