للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئا أيها الناس ولا ترتابوا في خلقه على تلك الصورة «ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (٥٩) أي فكان كما كان، وكذلك خلق عيسى وحواء بكلمة كن فكانا كما أراد الله. واعلم يا سيد الرسل أن الذي تلوناه عليك في هذا وغيره هو «الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» (٦٠) في هذا التمثيل أيها السامع والناقل، لأن الخطاب فيه عام لكل من يتأتى منه السمع والخطاب، وإن كان لحضرة الرسول لأن المراد به غيره وساحته بريئة من الامتراء والشك والتردد في كل ما جاء به عن ربه، فيفهم مما ذكر في هذه الآيات أن الدعوة إلى الله لا بد لها من أنصار كاملي العقيدة مخلصين مطيعين موادين، وأن الإيمان المجرد لا يكفي ما لم يقترن بعمل صالح. وتشير إلى أن تدبير الله لعباده فوق كل تدبير، فإذا شمل عبدا برعايته حفظه من كل كيد، وأنّ الوفاة في هذه الآية ليست بمعنى الموت، قال تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) الآية ٤٢ من سورة الزمر في ج ٢، وهذا فارق بين الموت والوفاة. والحكم الشرعي: وجوب الاعتقاد بأن خلق عيسى بن مريم بمجرد كلمة كن، وإن رفعه للسماء حيا حق لا مرية فيه، وأن كل جدل في هذا الموضوع يؤدي إلى خلاف هذا فهو كفر.

قال تعالى «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ» في عيسى من جهة خلقه ورفعه «مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ» بأنه كما ذكره الله لك يا سيد الرسل «فَقُلْ تَعالَوْا» أيها المجادلون المخاصمون بذلك «نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ» نحن وأنتم بأن نتضرع إلى الله ونجهد أنفسنا بالدعاء «فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ» (٦١) منا ومنكم.

[مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم.]

والمباهلة الملاعنة أي ليدع كل منها ربه بأن يلعن الكاذب في قوله، فقال له وقد نجران انظرنا وقتا مناسبا كي ننظر في الأمر ونتداول بيننا ونرجع إليك، فأمهلهم، فذهبوا إلى مقرهم وتذاكروا بينهم وقالوا فقد عرفنا من هذه الآيات وما تقدمها أنه نبي مرسل، وأنا إن باهلناه هلكنا، فأجمع رأيهم على عدم المباهلة

<<  <  ج: ص:  >  >>