عما جبلوا عليه، لأنهم طبعوا على ذلك، قال تعالى:(فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الآية ٢٩ من سورة الروم في ج ٢ فالمؤمنون لا يكفرون مهما كان منهم، والكافرون لا يؤمنون مهما كان منهم، لأنه لا بد وأن يوفق كل منهم أن يموت على ما خلق له من إيمان وكفر ولهذا قال تعالى «لا يُؤْمِنُونَ بِهِ» أولئك الكفرة «حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ» ٢٠١ الذي لا دافع له فيكون إيمانهم إيمان يأس وهو غير مقبول كما تقدم في الآية ١٥٧ المارة، وهذه الآيات على حد قوله تعالى (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) الآية ١٨ من سورة الأنعام في ج ٢ «فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً» ذلك العذاب الفظيع المؤلم «وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» ١٠٢ به ولا بوقت إتيانه، لأنه على حين غرة وغفلة بوقت لا يتوقعونه، وإذ ذاك «فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ» ٢٠٣ لنؤمن ونصدق وهيهات رجوع مافات، لأن عذاب الله إذا جاء لا يؤخر كما أنه لا يقدم عن الوقت المقدر لنزوله،
ويقال لهم «أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ» ٢٠٤ وهو آتيهم لا محالة، قال نفر من قريش حتى يأتينا هذا العذاب الذي يوعدنا به محمد فنزلت الآية الآنفة، قال تعالى يا سيد الرسل «أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ» ٢٠٥ كثيرة في هذه الدنيا وما فيها من النّعم «ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ» ٢٠٦ به من العذاب الذي تهددهم به (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) ٢٠٧ فيها شيئا من ذلك العذاب وما هو براد عنهم شيئا وكأنهم لم يكونوا رأوا شيئا من طول العمر وطيب العيش في الدنيا «وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ» فيما سبق من الأمم الباقية «إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ» ٢٠٨ من قبلنا يخوفونهم عذابنا إن لم يؤمنوا بهم، فلم يفعلوا وكان إرسال الرسل إليهم «ذِكْرى» لئلا يقولوا (ما جاءنا نذير) الآية ٤١ من المائدة في ج ٣ فتلزمهم الحجة وإلا فالله تعالى يعلم من يؤمن ومن يكفر قبل إرسال الرسل بل قبل إيجادهم وهو قادر على إهلاكهم دون ذلك، ولكن ليظهر لأمثالهم أن عذابهم كان بسبب كفرهم وَما كُنَّا ظالِمِينَ» ١٠٩ في تعذيب أحد لأنا تقدمنا إليهم بالمعذرة، وقدّمنا لهم الحجة، هذا وإن نفرا من المشركين لما رأوا محمدا يخبرهم بما غاب عنه مما يتقولونه