الإيمان والتوبة واعلموا أيضا أيها النّاس أنه «ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ» إليكم بلسانه مما أمره به ربه وقد قام بما أمر وبلغ وبشر وأنذر، فلزمتكم الطّاعة وقامت عليكم الحجة، فاحذروا أن تفرطوا أو تفرطوا وانتبهوا أيها المعرضون، وتيقظوا لما يراد بكم فانتهوا عما نهاكم عنه، وافعلوا ما أمركم به، فإن عليكم رقيبا منه «وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ» من علانية الأقوال والأفعال والأعمال «وَما تَكْتُمُونَ»(٩٩) من الضّمائر والدّخائل والنّيات والخواطر وإن علمه في كلا الأمرين سواء، لا يعزب عن علمه شيء، ولا تخفى عليه خافية من أهل السّموات والأرض السرّ عندة كالعلانية. وفي هذه الآية من التهديد والوعيد ما لا يخفى على بصر ممن كان له قلب راع وفكرة ثاقبة ونظر فيما يؤول إليه الأمر واستمع قول الله ورسوله سماع قبول.
مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:
يا سيد الرسل «قُلْ» للناس كافة بأنه «لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ» عند الله في الرّتبة والمنزلة فلا يعادل الحلال الحرام ولا الجيد الرّديء كما لا يستوى الحق والباطل والنّور والظّلمة والكفر والإيمان والأعوج والعدل والزين والشّين فبينهما بون شاسع، فلا تغتر أيها الإنسان بما ترى «وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ» لأن عاقبته سيئة وآخرته قبيحة، فأهل الدّنيا يعجبهم كثرة المال وتسرهم زخارفها، وأهل الله يعجبهم ما عند الله ويزداد فرحهم به لأنه باق دائم وذلك زائل فان، والمزق الباقي خير من الذهب البالي «فَاتَّقُوا اللَّهَ» عباد الله وآثروا ما يبقى على ما يفنى واتركوا الشّر واطلبوا الخير «يا أُولِي الْأَلْبابِ» النافعة المفكرة العارفة ما يضرها وما ينفعها. واعلموا أن القليل الدّائم خير من الكثير الزائل، فآثروا الأحسن والأخير «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(١٠٠) في دينكم ودنياكم وآخرتكم، روى جابر عن عبد الله أن رجلا قال يا رسول الله إن الخمر كانت تجارتي فهل ينفعني ذلك المال ان عملت فيه بطاعة الله؟ فقال صلّى الله عليه وسلم إن أنفقت في حج أو جهاد لم يعدل جناح بعوضة، إن الله طيب لا يقبل إلّا الطّيب، فنزلت هذه الآية وهي غاية في نفي المساواة عند الله