وهكذا فإنا نشير إلى الآيات التي لم تنزل مع سورها ونبين محالها، لأنا إذا أفردناها على حدة يتبعض نظام القرآن وهو منزه عن التبعيض ويتغير نسق السور وهو منهي عنه شرعا لأن ترتيبه توقيفي كما بيناه هناك، ولهذا السبب لم نفرد الآيات التي نزلت منفردة عن سورها بل نثبتها في سورها ونكتفي بإلماع إليها، هذا وان الصلاة فرضت ليلة الإسراء في ٢٧ رجب سنة ٥١ من ميلاده الشريف في السنة العاشرة من البعثة قبل الهجرة بثلاث سنين. وسبب نزولها في أبي جهل أنه كان قبل بعثة الرسول فقيرا ثم أصاب مالا كثيرا، فزاد في عناده وتجبره، وفي معتاده كله، فوبخه الله تعالى في هذه الآية، ونبهه بأن يشكر نعمته ويعمل لآخرته، لأن ما يعمله للدنيا فان والعاقل من يعمل لآخرته، لأن الله تعالى يقول:«إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى ٨»
في العقبى الباقية، وهناك ترى أنت وغيرك عاقبة الأمر.
وفيها تهديد وتحذير من القهور والبغي، وتنبيه بأن النعم يجب أن تقابل بالتواضع والشكر طلبا لدوامها وتأدية لحق المنعم بها، قال تعالى: تعجبا أي يعجب الله الناس من حال أبي جهل «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ٩ عَبْداً» نون للتنكير تعظيما له، لأن المراد به حضرة الرسول «إِذا صَلَّى ١٠» لربه، أخبرنا أيها العاقل هل يفعل ذلك أحد؟ لأن الرؤية إذا كانت للعلم أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستخبار عن متعلقها سواء كانت بصرية أو قلبية، قال محمد بن أحمد الجزي في تفسيره التسهيل: إن فعل أراه للعلم، بدليل عمل الفعل بالفجر لأن فعل أراه للخير، لا يعمل بضمير المتكلم وهو كذلك، وتقدير الجواب، ألم يعلم بأن الله يطلع عليه فيعاقبه، لأن المنهي على رشد وهدى من ربه،
ولهذا قال جل قوله:«أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى ١١» ، فهل له أن يمنعه من ذلك؟ أما يخشى عقاب الله «أو» يزعم هذا الخبيث أنه «أَمَرَ بِالتَّقْوى ١٢» التي أساسها التوحيد والإخلاص، وملاكها الخوف والرجاء، وهي الجامعة لكل خير، المانعة من كل شر. كلا. بل أمر فيما