حاصلا وأصلا لمن وعده به جزما لا خلف فيه (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) الآية ١١١ من سورة التوبة في ج ٣، ومن صفة هذه الجنّة أن أهلها «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً» من فضول الكلام وما لا ينبغي أن يقال وما لا يعني القائل والسامع «إِلَّا» لكنهم يسمعون فيها «سَلاماً» من الله جل جلاله وملائكته عليهم ومن بعضهم أيضا، وهذا سلام تحية وإكرام وإجلال.
[مطلب في الأكل المسنون وإرث الجنة:]
قال تعالى «وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا» ٦٢ بمقدار طرفي النهار بالنسبة لأيام الدنيا، إذ لا ليل ولا نهار فيها فهم في النور أبدا دائما ويعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب والنهار برفعها من قبل الملائكة الموكلين بذلك، وأفضل العيش عند العرب ما كان في هذين الوقتين، وكانت لهم أكلة واحدة في اليوم والليلة فمن أصاب منهم أكلتين فيها سموه الناعم فأنزل الله هذه الآية على عادة المتنعمين ترغيبا لعباده، وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم الأكل مرتين في اليوم من الإسراف محمول على أنهما غير العشاء، إذ به يصير ثلاث أكلات وهو من السرف، فلا يرد على ما جاء في هذه الآية، راجع الآية ٣١ من سورة الأعراف المارة «تِلْكَ الْجَنَّةُ» الموصوفة بما ذكر هي «الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا» ٦٣ نقيا مخلصا في عبادته منفقا من فضل ماله فيعطيها أمثاله عن ثمرة أعماله، وقيل إنهم يرثون أعمالهم الحسنة، وقيل إنهم يرثون مساكن أهل النار فيها لو كانوا آمنوا زيادة على مساكنهم، والسياق يناسبه راجع الآية ٤٠ المارة والآية ٤٣ من سورة الأعراف المارة تجد ما يتعلق بهذا، وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
قال يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا فأنزل الله على لسانه قوله «وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ» يا أكرم الرسل ليس لنا من أمرنا شيء «لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا» لا نملك منهما شيئا ابدا «وَما بَيْنَ ذلِكَ» أيضا هو بيده وحده «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» ٦٤ غافلا عمّا يكون منا في جميع أحوالنا، وذلك المالك لأمرنا وأمر خلقه أجمع هو «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما»