مرسلا لا نبيا فقط «قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ» وهاتان الحالتان لا يتأتى معهما حصول الولد إلا علي طريق خرق العادة وهو من عادتك «قالَ كَذلِكَ» مثل هذا الفعل الخطير الذي يعجز عنه البشر يحدثه ربك «اللَّهُ» العظيم الذي «يَفْعَلُ ما يَشاءُ» بأن يهب لكما ولدا وأنتما على حالتكما هذه. قالوا وكان عمره مئة وعشرين سنة، وعمر زوجته ثمانيا وتسعين سنة، وقوله هذا ليس على طريق الاستبعاد بل استعظاما للقدرة واعتذارا منه عز وجل، لأنه يعلم أن ربه قادر على أكثر من ذلك، ولكن الذي ساقه على ذلك عظم سروره وشدة فرحه بإجابة دعوته حدث به إلى ذلك، والتذاذه بسماع كلام ربه، عدا ما قاله سفيان بن عيينة رحمه الله بأنه كان بين الدعاء والبشارة ستون سنة، وانه نسي السؤال وقت البشارة ولذلك استبعد شيئا على خلاف جريان العادة، ينفيه وجود الفاء الدالة على التعقيب بلا فاصلة تأمل.
وما قيل إن الخطاب الأخير كان مع الملائكة يرده صراحة القول باسم
(رَبِّ) وإياك أيها العاقل أن يخطر ببالك معنى الشك، فإن ساحة الأنبياء مبرأة منه البتة، فاحذر أن يحوك في صدرك شيء من هذا، قالوا أزال الله عقمهما وكبرهما وجعلهما صالحين لذلك، راجع الآية ٩٠ من سورة الأنبياء المارة في ج ٢، إذ قال فيها (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) قال بعضهم بقيا على حاهما وهو أبلغ في القدرة وأعجب، ولكن الأول أولى لصراحة القرآن بالإصلاح، وكلتا الحالتين عند الله سواء، إذ لا يعجزه شيء «قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً» على حمل زوجتي «قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً» أي لا تقدر على تكليم أحد خلاها شفاها راجع الآية ١٠ من سورة مريم في ج ١ وأفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج.
قالوا ولما حملت عقد لسانه إلا عن ذكر الله كما جاء في قوله عزّ قوله «وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ»(٤١) وهذه من المعجزات الباهرة لأن قدرته على الذكر دون الكلام مع الناس أمر خارق للعادة وإنما منع من الكلام ليخلص العبادة لله على هذه النعمة، وكان يشير لمن يكلمه بالمسبحة لأن الرمز هو الإشارة باليد أو بإحدى الأصابع أو العين أو الحاجب أو الرأس.