«فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ» ولم يتعرضوا لكم ولم يعاونوا قومهم بالفعل ولا بالقوة ولم يكونوا عونا لهم عليكم «وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ» فاستسلموا لكم بكليتهم ولم تشكوا بهم «فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا»(٩٠) إلى القتال، لأن حكمهم حكم المعاهدين، وعلى هذا فالآية محكمة لا سبيل للقول بنسخها. ومن قال إنها نزلت في المتخلفين عن واقعة أحد فلا يتجه قوله لأن قوله تعالى حتى يهاجروا ينافي ذلك ومن قال إنها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول في حديث الإفك فلا يصح أيضا لأن حادثة الإفك لم تقع بعد، ولم تنزل عنها سورة النور المشار إليها، لذلك فإن ما ذهبنا إليه أولى بالسياق وأنسب للسياق، وتأمّل
قال تعالى «سَتَجِدُونَ آخَرِينَ» من هذا القبيل قالوا لهم جماعة من أسد وغطفان وعبد الدار كانوا أتوا المدينة وأسلموا رياء، وعاهدوا المسلمين ليأمنوا على أنفسهم حتى إذا رجعوا إلى قومهم عادوا لكفرهم ونكثوا عهدهم وكانوا يظهرون بين قومهم كلمة الكفر ويسرونها بين المؤمنين، فنضحهم الله بقوله «يُرِيدُونَ» هؤلاء الخبثاء «أَنْ يَأْمَنُوكُمْ» أيها المؤمنون بإيمانهم الكاذب كي لا تتعرضوا لهم «وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ» بإعلان الكفر ليفهموهم أنهم باقين على كفرهم مثلهم، فيخدع الفريقان على السواء، وصاروا يؤمنون قومهم بأنهم معهم، وان اتصالهم بالمؤمنين خداعا، ويقولون المؤمنين كذلك بأنهم معهم ومواصلتهم للكافرين خداعا «كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ» بدعوة قومهم لقتال المسلمين «أُرْكِسُوا فِيها» رجعوا إليها وكانوا أشد عداوة للمسلمين من غيرهم فعليكم أن تخطروهم بعدهم البقاء بين أظهركم وتأمروهم بالخروج من بلدكم لئلا يكون ما توقعونه بهم غدرا «فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ» بعد إنذارهم ولم يسيروا إلى بلدهم «وَ» لم «يُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ» بان يطلبوا منكم الصلح ولم ينقادوا لما نكلفونهم «وَ» لم «يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ» عن قتالكم بمظاهرة قومهم وبأنفسهم «فَخُذُوهُمْ» أسرى «وَاقْتُلُوهُمْ» إن لم يستسلموا إليكم «حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ» وأدركتموهم وظفرتم بهم وتمكنتم من قتلهم إذا هربوا قبل الاستسلام «وَأُولئِكُمْ» المخادعون المنافقون «جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً» بسبب انكشاف حالهم