إلى هواء، ويصرفهم هما جاء به موسى من الخطاب الذي هالهم سماعه، قالوا إن هامان لمتثل أمره حالا، وجمع خمسين ألف بنّاء مع كل واحد عملة كثيرون، وأمر بطبخ اللبن وهو الطوب النيء وطبخ الحجر، فعمل آجرا وكلسا، ونجر الخشب، وعمل المسامير، وضرب الحديد، وباشر بإسادة البناء، فأنشأوا له الصرح، وبالغوا في ارتفاعه إلى حد لم يبلغه منتهى البصر، وقد سخّر الله لهم ذلك ليفتنهم فيه، فلما فرغوا منه صعده فرعون راكبا على البرذون حتى بلغ رأسه، وصار يرمي بنشابه نحو السماء ففتنه ربه بأن أعاد له النبل ملطخا بالدم ليغتر ويدعي الإلهية الكبرى، ولما رأى ذلك نزل وقال قتلت إله السماء الذي يزعم موسى أنه إلهه وأنه أرسله إلينا، فبينا هو كذلك إذ بعث الله جبريل فضرب الصرح بجناحه فقطعه ثلاثا، فطارت منه قطعة في البحر، وقطعة في الغرب، وقطعة على معسكر فرعون قتلت منهم ألف ألف، ولم يبق أحد ممن عمل فيه شيئا إلا هلك، هكذا قال القصاص والأخباريون، إذ لم يرد فيه ما يعتمد عليه من حديث أو خبر في كيفية هذا الصرح وماهيته وما صار إليه لأن القرآن أثبت وجوده فقط، قال تعالى «وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ» أرض مصر لأن ملكه لا يتعداها كما تبين من قول
شعيب عليه السلام في الآية ٢٦ المارة، واستكباره هذا هو وقومه كان «بِغَيْرِ الْحَقِّ» لأنهم يعلمون أن فرعون ليس باله حقيقة وان ربه ورب السموات والأرض ومن فيهما هو الله وحده، ولكنهم جحدوا «وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ» ٣٩ وانا لا نجازيهم على أعمالهم قال تعالى «فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ» على الصورة المبينة في الآية ٦٣ من سورة الشعراء المارة جزاء طغيانهم هذا في الدنيا «فَانْظُرْ» يا سيد الرسل، واذكر لقومك «كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ» ٤٠ ليعتبروا ويتيقظوا من غفلتهم، علهم يرجعون عن عنادهم فيؤمنون بك قبل أن يحلّ بهم العذاب المقدر لهم
«وَجَعَلْناهُمْ» فرعون وقومه «أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» قادة ورؤساء دعاة إليها، وقد أردنا بإرسال موسى إليهم أن يكونوا قادة إلى الجنة، فخذلناهم وجعلنا مصيرهم الهلاك غرقا «وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ» ٤٢