من باب أولى، وفي تكرير لفظ (لَقَدْ عَلِمْنَا) دلالة على تأكيد إحاطة علمه تعالى بالعباد وأحوالهم أولا وآخرا، وأن علمه بالأولين كعلمه بالآخرين لأن الكل مدون في لوحه داخل في علمه قبل إبرازه لخلقه. قال تعالى «وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ» يوم القيامة كلهم على ما ماتوا عليه كما أماتهم على ما عاشوا عليه. ويجازيهم بحسب أعمالهم الدنيوية والأخروية، روى مسلم عن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبعث كل عبد على ما مات عليه. وتوسيط الضمير في الآية يفيد الحصر، أي أن الله تعالى هو وحده يحشرهم، وفي إضافة لفظ الرب إلى الضمير العائد لحضرة الرسول دليل على اللطف به والعطف عليه، وقريء يحشرهم بكسر الشين من الباب السادس والأفصح الفتح على أنه من الباب الأول على ما هو في المصاحف «إِنَّهُ حَكِيمٌ» باهر الحكم بالغ منتهى الإتقان في أفعاله «عَلِيمٌ ٢٥» واسع العلم كثيره يعلم ما يستحقه كل منهم من الثواب والعقاب.
[مطلب خلق الإنسان والجان ونشأة الكون وعمران الأرض:]
قال تعالى «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ» آدم عليه السلام الذي هو أصل الخليقة بدليل قوله «مِنْ صَلْصالٍ» طين يابس تسمع له صوت إذا ضربته كالصلصلة «مِنْ حَمَإٍ» ضارب للسواد وهو صفة الصلصال «مَسْنُونٍ ٢٦» متغير قال تعالى فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه الآية ٢٦٠ من البقرة في ج ٣، أي لم يتغير وهو صفة لحمأة، فهذه القيود تعين أن المراد بالإنسان هنا أبو البشر آدم عليه السلام لا مطلق انسان لأنه خلق من الماء المعبر عنه بالنطفة الحاصلة من الزوجين وما قيل إن معناه مصور استدلالا بقول حمزة رضي الله عنه في مدح ابن أخيه محمد صلّى الله عليه وسلم: