من هذه الدار الكدرة النكدة الفانية وتوصلا إلى السعادة الأبدية الهنية، قال تعالى «وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً» لعلمهم كذب ادعائهم بذلك «بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ» من القبائح، وخص اليد دون بقية الجوارح لأن مبدأ أكبر جنايات الإنسان من يده «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ»(٩٥) حال إيقاعهم الظلم وقبله، وصفهم بالظلم لأنه أعم من الكفر فكل كافر ظالم ولا عكس.
[مطلب حرص اليهود على الدنيا وعداوتهم لجبريل عليه السلام وابن حوريا وعمر بن الخطاب وقوة إيمانه:]
«وَلَتَجِدَنَّهُمْ» يا سيد الرسل «أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ» أي لا أحرص منهم عليها «وَ» حتى أنهم أحرص «مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا» على الحياة مع أنهم لا كتاب لهم يعلمون منه أن هناك دارا أخرى ينعم بها المؤمن ويعذب فيها الكافر فلا لوم عليهم إذا حرصوا على البقاء في الدنيا، وفي هذه الآية زيادة توبيخ لليهود لأنهم يقرون بالمعاد ويتأهبون له، ويحرصون على الدنيا أكثر من المشركين الذين لا يعترفون به. ثم بين شدة حرصهم بقوله جل قوله «يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ» يا حسرهم وأسفهم لأنه لا ينفعهم تعميرهم مهما كان «وَما هُوَ» تعميرهم تلك المدة لو كان واقعا فإنه ليس «بِمُزَحْزِحِهِ» ومباعده أو محركه «مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ» تلك المدة أو أكثر منها، لأن مرجعه الآخرة ليبصر نتيجة أعماله «وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ»(٩٦) في دنياهم لا يخفى عليه شيء منه ومجازيهم عليها في الآخرة، ولما قال عبد الله بن صوريا أحد أحبار اليهود إلى محمد صلّى الله عليه وسلم أي ملك يأتيك من السماء؟ قال جبريل، قال هو عدونا فلو جاءك ميكائيل لآمنا بك، جبريل ينزل بالعذاب، ولأن الله تعالى أخبر نبينا أن بختنصر يخرب بيت المقدس ويهلكنا قتلا وتدميرا، وقد بعثنا رجلا ليقتله ببابل فدافع عنه جبريل قائلا له إن كان الله أمره بهلاككم فلن تسلطوا عليه، وإن لم يكن هو فعلى أي شيء تقتله، وكان بختنصر وهو الذي دافع عنه حتى بقي حيا وفعل ما فعل فينا، فأنزل الله تعالى «قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ» بسبب إتيانه بالقرآن لك وإنزاله من لدنا عليك يا سيد الرسل «فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ»