ومثلها في العدد الفلق والفيل نزلت بمكة بعد الفاتحة، وهي خمس آيات، وعشرون كلمة، وسبعة وسبعون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها، وتسمى سورة تبّت، وسورة أبي لهب، ولا يوجد في القرآن سورة مبدوءة أو مختومة بما بدأت وختمت به.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى:«تَبَّتْ» أي هلكت وخسرت وخابت «يَدا أَبِي لَهَبٍ ١» عبد العزّى بن عبد المطلب بن هاشم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد هو ذاته لأن العرب تعبر عن كل الشيء ببعضه، وكنّي بأبي لهب لحسنه واشراق وجهه، وكناه الله بذلك لشهرته بها دون الاسم لا لتكريمه ولأن في تسمينه باسمه نسبة العبد للشرك، والكل عبيد الله لا يشاركه فيهم أحد، واخبار بأنه من أهل النار ذات اللهب لتوافق كنيته بما يؤول إليه حاله، ولا حول ولا قوة إلا بالله لم يرد الله له الخير، وهو عم حبيبه وصفيه، وأراده لصهيب وعمار وبلال وسلمان، ورحم الله من قال:
لعمرك ما الإنسان الا ابن دينه ... فلا تترك التقوى اتّكالا على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الشرك الحسيب أبا لهب
وهكذا يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد «وَتَبَّ ١» وكان يقول ابن مسعود وقد تبّ لأنه هلك حقيقة، ولا تجوز القراءة بها لما فيها من الزيادة وهي عبارة عن كلمة قالها ليست من القرآن، راجع بحث القراءات في المقدمة ويقال عن هكذا زيادات (سيف خطيب) وقد جاء في التأويلات النجمية أن أبا لهب كان بداية أمر النبي صلى الله عليه وسلم يحسن إليه ويكرمه ويقول إلى قريش: إن كان الأمر إلى محمد فلي عنده يد، وإن كان لقريش فلي عندها يد أيضا، لأنه كان يحسن إليها، وبعد أن ظهر أمر الرسول أظهر له العداوة وصار يهينه ويؤذيه، فأنزل الله فيه هذه السورة إعلاما بخسران يده عنده لتكذيبه إياه وخسران يده عند قريش أيضا لعدم بقاء يد لهم عند الرسول وإذلالهم لعدم الإيمان به وهذا أحسن ما قيل في أسباب نزول