التوراة الفاصلة بين الحق والباطل الفارقة بين الهدى والضلال «وَضِياءً» نورا يعرف به طريق الرشد من الغي «وَذِكْراً» يتذكر به ما يحتاجه بنو إسرائيل من أمور دينهم ودنياهم وعظة يتعظون بها وعبرة «لِلْمُتَّقِينَ» ٤٨ الذين يعتبرون بما فيها ويعملون. ثم وصف هؤلاء المتقين الذين يعملون بالفرقان الموصوف بالأوصاف المذكورة بقوله «الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ» من حيث لم يرونه فيعبدونه في خلواتهم إذا غابوا عن أعين الناس ويمتنعون من مخالفته خوفا من أن يراهم لعلمهم أنه مطلع على سرّهم وجهرهم، لأن من عبد الله وعلم أنه يراه أحسن عبادته وخشع فيها وخضع لربه «وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ» ٤٩ خائفون من هولها قبل أن يروها لأنهم آمنوا بها على الغيب تصديقا لرسلهم وكتابهم «وَهذا» القرآن «ذِكْرٌ مُبارَكٌ» عظيم الخير كثير البركات جامع لمنافع الدنيا والآخرة «أَنْزَلْناهُ» عليك يا سيد الرسل كما أنزلنا الكتب على من قبلك عيسى وموسى فمن قبلهم «أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ» ٥٠ يا أهل مكة إنزاله على نبيكم وشمول بركته لكم وخيره فيكم، وهل أنتم جاحدون صحبته، وهذا استفهام على طريق الإنكار والتقريع يضاهي ما جاء في الآية ١٧٥ من سورة الأنعام المارة.
قال تعالى «وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ» موسى وهارون «وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ» ٥١ بأنه أهل لما آتيناه لما هو عليه من الكمال والإخلاص لنا، قالوا لما ألقي في النار قال له جبريل عليهما السلام سل ربك ينقذك منها، قال له علمه بحالي يغني عن سؤالي، وقال ألك حاجة؟ قال أما إليك فلا. فهذا كاف على إخلاصه لربه، فاذكر يا محمد لقومك شأنه هذا مع قومه وأهله «إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ» ٥٢ أراد عليه السلام ما هذه الأصنام، ولكنه تحقيرا لها وتقريعا لهم بعبادتها، عبر عنها بالتماثيل وهي الصور المصنوعة المشبهة بالمخلوقين من إنسان وحيوان وطير وحوت وغيرها، أي ما بالكم مقبلون عليها ملازمون لها منهمكون في عبادتها «قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ» ٥٣ فعبدناها تقليدا لهم «قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ٥٤ بالعكوف عليها لا يخفى على عاقل وان استنادكم للتقليد