ثم ذكر صفة دعائهم لأنفسهم بقوله «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا» أولادهم وأولادهم واجعلهم لنا «قُرَّةَ أَعْيُنٍ» أبرارا صالحين أتقياء فائزين تقر أعيننا بهم لما هم عليه من عمل صالح وخلق كريم وذكر حسن. واعلم أن ليس أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده وأحفاده طائعين لأوامر الله مطيعين له ليطمع أن يحلوا معه في الجنة فيتم سروره بهم في الدنيا والآخرة، وإقرار العين بردها لما يرد على صاحبها من الفرح والسرور، فتدمع دمعا باردا لشدة انشراح صدره، لهذا يقال أقرّ الله عينيك. وضدّه حمانا الله، أسخن الله عينيك. واسخان العين حرها لما يرد على صاحبها من الضيق والحزن فتدمع دمعا حارا لما حل به من الكرب وضيق الصدر، قال أبو تمام:
فأما عيون العاشقين فأسخنت ... وأما عيون الشامتين فقرت
وقال الآخر:
نعم الإله على العباد كثيرة ... وأجلهن نجابة الأولاد
وقال تعالى هنا، أعين جمعا للعيون الباهرة، لأن لفظ العيون في القرآن العظيم كله جمع للعيون الجارية. وقرئ ذرّيتنا بالإفراد وقرئت بالجمع قال تعالى «وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً» ٧٤ يقتدى بنا في أفعال الخير اللهم اجعلنا منهم وقرّ أعيننا بأولادنا وأحفادنا يا الله يا الله يا الله بجاهك على نفسك، وحرمة كتبك وحق أنبيائك ومكانة أوليائك عليك وإمام يستعمل مفردا وجمعا واختير على أئمة المطابق لما قبله لكونه أوفق للفواصل التي قبله وبعده، والمراد هنا الجمع رعاية لمفعول جعل قال تعالى «أُوْلئِكَ» الذين هذه صفاتهم الممدوحة «يُجْزَوْنَ» من ربهم يوم الجزاء «الْغُرْفَةَ» الدرجة العالية في الجنة، لأن الغرف تطلق على البيوت الفوقية والحجر على السفلية والبيت عليهما، وذلك الجزاء الحسن ينالهم «بِما صَبَرُوا» على طاعة ربهم وعن شهوات أنفسهم في الدنيا هذا على أن الباء في بما سببية أو بدل صبرهم على أنها مصدرية وعليه قوله: