كما كان للأنبياء قبله، وقد أخذ من هذه الآية الكريمة الحكم الشرعي بأن الكافر إذا أسلم لا يلزمه شيء من قضاء العبادات الدينية والمالية، ويكون كيوم ولدته أمه، لأن الإسلام يحبّ ما قبله، كما أن الكفر يحبط ثواب الأعمال الصالحة قبله.
قال تعالى «وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ» أي لا يبقى شرك يفتتن به قط «وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» بأن يضمحل كل ما يتدين به ويمحى من وجه الأرض عدا دين الإسلام. راجع نظير هذه الآية الآية ١٤٩ من سورة البقرة المارة «فَإِنِ انْتَهَوْا» عن الشرك ودواعيه وأسلموا لله وحده «فإنّ الله بما تعملون» صرا أو جهرا خالصا أو مشوبا. وقرئ الفعل بالياء والتاء على الغيبة والخطاب «بَصِيرٌ» بدقائق الأمور لا يخفى عليه شيء من عمل خلقه «وَإِنْ تَوَلَّوْا» عنك يا سيد الرسل وأعرضوا عن الإيمان وعادوا لقتالكم مرة ثانية بعد هذه التي استؤصل فيها كبارهم وصناديدهم وبقوا مصرين على الكفر «فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ» حافظكم منهم وناصركم عليهم وكافيكم شرهم وهو «نِعْمَ الْمَوْلى» لمن يتولاه ويكل أمره إليه «وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠) » لمن ينصره، ألا فليأمن من كان الله مولاه وناصره.
مطلب كيفية تقسيم الغنائم وصلاحية الأمر فيها، ولزوم ذكر الله عند اللقاء، والتمسك بأصول الدين ليتحقق لهم النصر من الله:
قال تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ» توصل ما مع أنّ إذا كانت كافة عن العمل، وتفصل كما هنا إذا كانت عاملة، وجملة غنمتم صلة، والعائد محذوف، والتقدير أن الذي غنمتموه «مِنْ شَيْءٍ» مطلق شيء بدليل التنوين «فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» أي يصرف إلى هؤلاء على هذا الترتيب، ومعنى الغنم الفوز والظفر، والغنيمة ما أصابه المسلمون من أموال الكفار عنوة في القتال، ويكون فيها الخمس لمن ذكر الله في هذه الآية، والأربعة أخماس لمن شهد الواقعة، أما ما صولح عليه من غير قتال فيكون جميعه لمن سمى الله تعالى فيتسلمه أمير المؤمنين ويقسمه بين أربابه، أما ما يأخذه الإمام من الأعشار والخراج والجزية والمكس ومال من لا وارث له