والفضيحة التي ما بعدها فضيحة، والعار الذي ما وراءه عار. واعلم أن لفظ ألم تعلم وألم يعلم وما تصرف منهما خطاب لمن علم شيئا أو نسيه أو أنكره كما ذكره العلماء البيانيّون أي أنسيتم أو أنكرتم ذلك. قال تعالى «يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ» من النّفاق وما تحركه أنفسهم به في الاستخفاف بحضرة الرّسول «قُلِ» يا سيد الرّسل «اسْتَهْزِؤُا» واسخروا ما شئتم بحق حضرة الرّسول «إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ»(٦٤) ومظهره للناس ليفضحكم به ويظهر لهم كذبكم وحلفكم الخاطئ. واعلم أنما خاطبهم الله بهذا على لسان رسوله، لأن ما وقع منهم مجرد استهزاء وسخرية، ولهذا ختم الله هذه الآية بما يدل على التهديد العظيم والوعيد الوخيم الدّالين على التعذيب البالغ. قال تعالى «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ» عما يقولونه فيك فيما بينهم «لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ» الخوض الدّخول في المائع كالماء والطّين، ثم استعمل لكل دخول فيه تلويث مادة أو معنى ولم يكفهم الخوض الذي قد يؤتى لغير ظاهره حتى وضحوا المراد منه باللعب، فيا سيد الرّسل «قُلْ» لهؤلاء الجاحدين بما لا يليق «أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ»(٦٥) استفهام إنكاري لما لا ينبغي ذكره، وذلك أن حضرة الرّسول حين كان في غزوته المذكورة آنفا قال رهط من المنافقين أيرجو هذا الرّجل أن يفتح له قصور الشّام وحصونها هيهات هيهات، فأطلعه الله تعالى عليه، فقال احبسوا على هذا الرّكب فأتوا بهم، فقال إنكم قلتم كذا وكذا، ولما لم يروا بدا من الاعتراف إذ أخبرهم حضرة الرّسول بلفظ ما قالوا بعد أن قالوا يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب، أي نتحدث في الرّكب ونلهو فيما بيننا، وقال المنافق وديعة بن ثابت أخو أمية ابن زيد لعوف بن مالك ما لقى أمنا أر عينا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللّقاء.
[مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم]
وروى ابن عمر أن رجلا من المنافقين قال في غزوة تبوك ما رأيت مثل هؤلاء القوم أرعب قلوبا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللّقاء. قاتله الله يريد حضرة