في نواديهم وحينما يسألونه يقول لهم أخبرني ربي قال بعضهم لبعض كلا، فإن الشياطين تلقي إليه ذلك كما تلقي القرآن الذي يزعم أنه من ربه، فأنزل الله تعالى «وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ ٢١٠ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ» أن ينزلوا بمثله لأنهم أحقر من ذلك «وَما يَسْتَطِيعُونَ» ٢١١ إنزاله ولا يقدرون البتة لأنه محفوظ بحفظ الله وليسوا بأهل له، ولا يصح قولهم هذا ولا يستقيم «إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ» ٢١٢ مبعدون عنه ومحجوبون منه وممنوعون عن استراقه بالشهب الجهنمية، ثم خاطب رسوله بما أراد به غيره على طريق ضرب المثل:(إياك أعني واسمعي يا جاره) فقال عز قوله «فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ» إذ لا إله لهذا الكون غيره فاحذر من هذا أيها الإنسان، «فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ» ٢١٣ إن أقدمت على ذلك وهذا مما لا شك فيه مراد به غيره صلّى الله عليه وسلم لأنه عليه محال لوجود العصمة، وإنما خاطبه به ليحذر الغير من الإشراك بالله على طريق التعريض تحريكا لزيادة الإخلاص لله، وإلهابا للقلوب بالتباعد عنه، وعلى فرض المحال لو أريد به حضرة الرسول فيكون ذلك على حد قوله تعالى:(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) الآية ٤٥ فما بعدها من سورة الحاقة في ج ٢، فيكون المعنى: وإن كنت يا محمد وأنت أكرم الخلق علي اتخذت شريكا في دعائي لعذبتك، وفيه تحذير عظيم للغير
قال تعالى «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» ٢١٤ خصّهم بالذكر لنفي التهمة عن التساهل معهم في أمر الدين وليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئا إذا حل بهم عذابه وليعلم الناس كافة أن النجاة في اتباعه والتصديق لما جاء به في دينه لا في قرابته، راجع الآية ٨٩ المارة «وَاخْفِضْ جَناحَكَ» يا سيد الرسل «لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» ٢١٥ بك القريب منهم والبعيد، أما الكافرون فلا يليق أن تلين لهم جانبك، بل شدد عليهم برفض الشرك وحذرهم من تكذيبك «فَإِنْ عَصَوْكَ» أقاربك وعشيرتك وسائر قومك، ولم يقبلوا نصحك ولم يلتفتوا لإرشادك «فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ» ٢١٦ من الكفر والمعاصي والأفعال الذميمة والأحوال السافلة، واتركهم ولا تعبأ بهم الآن، لأنك لم تكلف إلا بإبلاغهم ما يوحى إليك، وذلك لأنه لم يؤمر بقتالهم بعد، ولذلك